مرت أربعٌ وعشرون سنة على غياب الملك الحسين، زعيمنا وقائدنا وملكنا ووالدنا، وهو الغياب الذي له طعم الحضور الأثير.
والملك الحسين ظاهرة قيادية مدهشة، برهنت قيادته طيلة 47 عاما من قيادته، على أن المُلْكَ يقوم على العدل والصفح والإنصاف، لا على الظلم والجبروت والمعتقلات والمقابر الجماعية.
تميّز الحسين بالتسامي والترفع والسرعة، تجلى ذلك في ولعه بالطيران، وسباقات السرعة، والدراجات النارية، والراديو، والتزلج على الماء.
كان حاسما بالنسبة له، أن يغمض عينيه تحت سماء بلاده، التي أشادها وأعلى بنيانها وحفظ كرامة مواطنيها.
وكان كرماً من الله وفضلاً، عليه وعلينا، أن أسلم الحسينُ الروح بيننا.
فعندما أصبحت الطائرة الملكية فوق عمان، مال الملك العاشق بجناحها مَيلاً خفيفاً، تحية لربّة عمون، ومع رفّتها تلك، انهمرت دموعه. فهو الملك، القائد، الطيّار، المقاتل، وهو ايضا، العاشق، الإنسان، الحنون، الرحب، العذب، الشغوف، المحنك والكريم، الذي يقطر رقّة وسماحة.
سجّل حنا فراج مصور الملك، الذي كان على متن الطائرة، تلك اللقطة الفائقة الرومانسية، بكاميرته، وأرسل كلّ ما صوّر إلى التلفزيون.
اجتهد أحد المخرجين في التلفزيون وقرر أن الملوك لا يبكون، فشطب تلك اللقطة -الكنز ولم يبثها، فحرمنا من الاطلاع على المزيد من جوانب شخصية الحسين الفاتنة.
كنت في المملكة المغربية عندما وقعت كارثة رحيله. كان نشيجي يصل إلى عنان السماء. كنت أنوح وأجوح وأنتحب بكل جوارحي، مساء ذلك اليوم المشؤوم. وخِشية أن يرتعب أطفالي، حملت نفسي إلى سفارتي وأغلقت بابها عليّ وأخذت حريتي وقد غرقت في الحزن والظلمة. إلى ان استيقظت على ضرورة قيامي بواجب استقبال المعزين.
تميز الملك الحسين بالقدرة الفائقة على استيعاب المعارضة التي كانت ذات قوة وحضور طاغٍ في الشارع الأردني، حتى أنه كلّف زعيم المعارضة السياسية سليمان النابلسي، بتشكيل حكومة حزبية ائتلافية، ضمت اقطابا وقيادات وطنية وشيوعيين وبعثيين وقوميين.
ذهبنا بمعيته إلى جامعة اليرموك في ربيع 1993، في الطوّافة التي كان يقودها بنفسه.
أحاط طلابنا بالملك حتى أوشكوا أن يعصروه. لم يكفِ الحرس الملكي، للحفاظ على حوزة تتيح للملك أن يتنفس، فعملنا طوقاً حول الملك المبتهج، كما لم يبتهج من قبل.
وحقا، لا خاتمةَ لأحزاننا عليك أبا عبد الله، يرحمك الله ويحسن إليك.
*( رئيس مجلس ادارة الدستور والمقال منشور في نفس الصحيفة الثلاثاء).