وقع صدام بين قوة الدرك، واهالي سحاب فيما يعرف بمشكلة سحاب على أثر استيلاء اهالي سحاب على بعض مخلفات الحكومة العثمانية، ورغب ( برنتون) باستردادها، فتصدى له الأهالي وتوسط الشيخ حديثة الخريشة لحل النزاع، وتمكنوا (1) " من صد هجوم قوة برنتون.
لقد لاحظ الكابتن برنتون ان قوة الدرك غير المنظمة، وغير المنضبطة، والتي فقدت معنوياتها، لم تكن قادرة على المحافظة على الأمن العام. كما لاحظ أن الشريف محمد البديوي، ورئيس البلدية في عمان سعيد خير، وأعضاء حزب الاستقلال ( يقومون بحملة تحريض سياسي ضد الفرنسيين، وأن إعلانات وشعارات شريفية (هاشمية) تدعو إلى الجهاد قد رفعت في عمان والسلط وكتب برنتون تقريراً يوم أيلول ۱۹۲۰م ، قال فيه : ( عناصر المؤيدين لبريطانيا لم يشجعوا... وستعاني الهيبة البريطانية من دعاية أولئك الذين يسجنون حالاً من قبل أي حكومة تمتلك القوة والاحترام) . واقترح تشكيل قوة احتياطية من سريتي فرسان، وفئة رشاشات في عمان لتعزيز قوة الدرك عند الحاجة.
وفي يوم ۲۱ أيلول عين الممثل البريطاني في عمان. وسارع إلى تجنيد الجنود الشريفيين السابقين والشراكسة في القوة الاحتياطية. كما عين هيربرت صموئيل الكابتن بيك، برتبة قائمقام ) عقيد ) ليكون المفتش العام للدرك. والتحق بالكابتن برنتون في عمان.
لقد أهمل السلطيون حكومة مظهر أرسلان إهمالاً كاملاً كحكومة في السلط وضواحيها، مما أفقدها هيبتها، وازداد ضعفها نتيجة لحادث سحاب.
وقد رفض اهل تلك القرية الواقعة حوالي عشر اميال في جنوب شرق عمان، دفع الضرائب وطاردوا مأمور الضريبة وحراسه الأربعة الدركيين حتى هربوا من القرية.
وفي يوم 7 تشرين أول أرسلت حكومة مظهر أرسلان سرية الدرك إلى سحاب ( لاتخاذ إجراءات شديدة من أجل استعادة الهيبة في المنطقة ) . ولكن السرية وقعت في كمين، وكادت أن تفقد نصفها أسرى وسارع برنتون إلى القرية ومعه تعزيزات جديدة وهدد باستخدام الطائرات اتصل بها، ولكن ، ويعود الفضل للشيخ حديثة الخريشة والشيخ منور الحديد التي اللذين سارعا بواسطة سلمية أمكن تفادي سفك الدماء. وفي تقريره أكد الكابتن برنتون على تأثير تهديده باستخدام الطائرات بقوله : ( أريد أن أشير بأن الخوف من وصول الطائرات أثر كثيرا في إنقاذ الموقف) . وعند يوم . ۲۳ تشرين أول أصبحت القوة الاحتياطية كاملة ووضعت في برنامج التدريب. وقبل أن يقدم برنتون استقالته قدم تقريرا يوم ٢٩ تشرين الأول ۱۹۲۰ ، قال فيه: (لقد أصبحت أخطار الدعاية الوطنية العربية مؤثرة على الجميع، وقد حصلت المؤامرات لصالح العرب وضد الفرنسيين من قبل أفراد معينين على أكبر نفوذ شرير في الموقف كله. ولذلك نحتاج إلى سياسة تتجنب خطأ زيادة التدخل في الشؤون المحلية كما في العراق، ولكن وفي نفس الوقت ضمان لمنع هذا الإقليم من أن يصبح مركزاً للوطنيين العرب وتحريضهم ودعاياتهم السياسية). بالرغم من نشاط الضباط البريطانيين السياسيين، استمرت الغارات الثورية على الفرنسيين في سوريا، وعلى الصهيونيين في فلسطين، ومن شرق الأردن وازدادت النقمة ضد الصهيونيين بعد وصول السير هيربرت صموئيل) .
وكان الملك الحسين بن علي مصمماً على إقلاق راحة المعتدين مهما كانت النتائج "
وفيما يلي تفصيل اكثر لهذه المشكلة، والتي يراها كثيرون ذات اهمية في تاريخ شرقي الأردن من الناحية السياسية والعسكرية:
مشكلة سحاب ١٩٢٠/١٠/٧م
ساهمت في تردي أوضاع الأمن في شرق الأردن مشكلة سحاب وهي قرية جنوب عمان كان فيها عام / ۱۹۲۰م ۲۰۰ ،عائلة ، وذكر ( برنتون ) أن هذه القرية سببت مشاكل أمنية أنقذ حيث استولى اهالي سحاب على أعمدة هاتف، وقاموا باعمال اخرى ولما توجه إليهم أربعة من الدرك فإنهم قاوموهم ومنعوهم من الدخول، ونتيجة لذلك فإنه في ١٩٢٠/١٠/٧ م توجهت قوة مكونة من سبعين جنديا ومعها رشاشان بقيادة (عارف الحسن) قائد الدرك ومعه الملازم ) عبد الرحمن عريقات) وعند ظهر ذلك اليوم وصلت أنباء أن القوة تعرضت لكمين وأن نصف جنودها وقعوا أسرى في قرية سحاب. لكن التقارير الرسمية أكدت أن القوة دخلت القرية بدون نتيجة، وأن الأهالي مع البدو كانوا يواصلون تجمعاتهم بطريقة أثارت الريبة في نفس المسؤولين.
وفي روايات سكان سحاب أن الهجوم استغرق يوماً واحداً فقط حيث بدأ بعد الظهر وانتهى ظهر اليوم التالي على ما يبدو بعد نجدة ) عارف الحسين) التي تحدث عنها (برنتون) وظهر في حديث الشيخ صالح المحارمة أن القوة ما أرادت إصابة الناس بسوء لأن الذي كان يستخدم الرشاش ) محمود سليمان العيشات) كان يطلق النار فوق رؤوسهم ومع ذلك فإن قتيلا وقع من أهالي سحاب.
ويظهر من روايات من يتذكرون تلك الفترة من أهالي سحاب أن الشيخ (حديثة الخريشة) هو صاحب الجهد الكبير في رد قوة ( برنتون) عن سحاب وأنه أجرى تصالات ووساطات مع القيادة في عمان وقد تكون مع (كمب) في السلط.
أما أسباب المشكلة فأنها تعود لأمور ارتبطت باستيلاء أهل سحاب على بعض خلفات العثمانية من خشب وحديد وأعمدة وأن (برنتون) أراد استردادها.
تقرير برنتون عن مشكلة سحاب
تقرير سياسي في ١٩٢٠/١٠/٩م
لبعض الوقت شهدت قرية سحاب اضطرابات أحدثتها ۲۰۰ عائلة مصرية بدوية ممتدة في المنطقة الواقعة إلى الجنوب الشرقي من عمان، فقد قاموا بنزع عدد من أعمدة البرق والهاتف مما أدى إلى إيقاع الضرر بها وتعطيلها، كما أنهم تمنعوا عن إتمام دفع الضرائب المستحقة عليهم وأبعدوا أربع دركيين أرسلوا للمنطقة، ومن هنا أصبح من الضروري القيام بإجراء فوري إذا ما أرادت الحكومة أن تبقي لنفسها بعض ماء الوجه في المنطقة.
رجلاً وفي اليوم السابع من الشهر، أعد ) عارف بك) قوة دركية قوامها سبعون مسلحون بالرشاشات ) خضع هؤلاء لإمرة الملازم الأول عبد الرحمن) تقارير الظهيرة غير الرسمية توارد وصولها تباعا، لتفيد بأن القوة قد حوصرت أو طوقت أو أصبح نصف الدركيين في عداد المسجونين في القرية، أما حاملو الرشاشات فما زالوا في مواقعهم بعيداً في الخارج فيما أبدى عدد من البدو التعاطف والمؤازرة لأهالي سحاب عارف بك) من جانبه اتخذ عدداً من الإجراءات والخطوات التعزيزية من بينها توحيد صفوف الرجال، وأبرق طالبا الذخيرة الحربية من السلط. ولا بد أن نخص المتصرف بالشكر لسرعته في إرسال الذخيرة أثناء الليل، لقد وصلت قبل حلول الفجر بساعة بمعنى أنها وصلت في الموعد المأمول به وصلنا تقرير رسمي في وقت لاحق من المساء يفيد بأن الضابط والجنود الذين جاءوا إلى القرية ثم هوجموا فيها ، قد غادروها ثانية، وأن القوة الدركية بأكملها قد احتشدت على تله صغيرة خارجية مطلة على القرية ولكنها اخفقت في تحقيق أي شيء، وتجمع البدو بطريقة لم تفدهم. قررت وعارف بك على ضوء ذلك أن نتدخل شخصيا وأن نتقدم بأنفسنا مع حلول الفجر بقوة مؤلفة من ۳۰ رجلاً من المشاة و ۸ فرسان ومعنا من الذخيرة ومؤن الخبز ما يكفي حاجة القوة المتجهة إلى الميدان.
غادرنا عمان بحوالى ساعة قبل الفجر ووصلنا بعد ساعتين الموقع الذي شغلته القوة الدركية، غير أنا اكتشفنا فيما بعد ان هذه القوة على وشك التراجع والانسحاب بعد أن توصل رجالها إلى تسوية جزئية بالنيابة عن الحكومة، وقبلوا بالمطالب المعلنة. ولكنا سرعان ما أصدرنا أوامرنا إلى الجند بان يثبتوا في مواقعهم. أعددنا خطة أ لة أقرت من قبلي وعارف بك وتقضي بأن يستسلم العصاة استسلاما فوريا غير مشروط وإذا ما قوبلنا بالرفض فإننا عبر الهجوم المباشر سنحكم القبضة على القرية.
خاطب عارف بك الجند بكلمات رنانة الجند الذين بدوا بروح قتالية عالية والذين تبعونا، ولحقوا بنا أينما اتجهنا، وفي هذا الوقت وصل بعض شيوخ العرب من بينهم ( الشيخ حديثة الخريشة) وكان هؤلاء الرجال أصحاب غنى وثروة في سحاب. تجلى اليوم المنصرم أكثر أمام العيون والأذهان عندما شرعت البلقاء بتزويد الجند (القوة الدركية) بالشعير والخبز أحاط (عارف بك) الشيوخ علماً بقرارنا وأرسل في طلب الطائرات وهذا بالتأكيد أفزعهم وأوقع الخوف في صفوفهم، وأبلغت الشيوخ بأنا نصر على أن نستسلم القرية بأكملها، وإذا ما رغبوا هم أنفسهم في تعبئة حشود القرويين ضدنا، فإنا سنشن الحرب عليهم لا محالة. كان هذا بمثابة اختبار للنوايا وأن عليهم أن يقرروا ما إذا سيكونون أصدقاء أم أعداء للحكومة المحلية المرتبطة بالحكومة البريطانية وعد الشيوخ بأن يقوموا بكل ما نريد ما دام أن ذلك يقع ضمن سلطتهم.
وفي غضون الربع ساعة أقبل الزعماء وغيرهم من السكان ليعلنوا استسلامهم غير المشروط، وقد فرضنا على القرية العقوبات التالية
۱. استعادة أعمدة الهواتف المسروقة.
٢_ضريبة مفروضة لقاء تدمير خط البرق والهاتف والشروع في بنائه من جديد.
٣-ضريبة تعويضا عن فرسان القوة الدركية الذين صرعوا في العراك الذي دار في القرية.
٤_ ضريبة صغيرة لخزينة الحكومة البريطانية.
ه اعتقال ۱۰ رجال من المستسلمين إلى أن تعود الأمور إلى طبيعتها .
٦_ تسهيل عبور قواتنا إلى القرية وتوفير الطعام والغذاء لرجالنا.
هيئت الظروف على عجل ودخلنا على ضوئها القرية التي لاذ شبابها بالفرار، وعدنا إلى عمان مع الغروب.
لا بد أن نذكر بأن الشيخ (حديثة) يحظى بالفضل الكبير للأسلوب الذي انتهجه كوسيط، وأيضاً لإطعامه رجالنا في المساء الذي أعقب أول محاولة فاشلة لدخول سحاب. كان الشيخ (حديثة) مدركاً ،عاقلاً، كما أنه كان ثقة ويعول عليه، لم يكن بالغني الثري لكنه لم يكن بالمستجدي السائل كالآخرين وكان بالغ الكرم، هادئ السلوك ساحر الشخصية فائق الجمال، ويمكن وصفه بأنه الشخصية الحقيقية الوحيدة من بين الشيوخ في المنطقة. وكان الشيخ ( منور الحديد ) يقدم لنا العون أيضاً.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن تخوف البدو من وصول الطائرات إلى المنطقة ساهم في إحداث الانفراج في موقفنا وإذا لم تصل الطائرات فإن موقفنا سيصبح حرجاً علماً بأنه ليس من المستحيل أن تحلق الطائرات فوق هذه المنطقة، كيف يمكن أن نظهر للعرب بأن مثل هذه الطائرات موجودة ( يبدو) بدون شك بأنها المرة الأولى التي تحلق فيها الطائرات فوق إمارة شرق الأردن.
منذ الإقلاع العسكري لقواتنا وإذا ما انعدم الطيران، فإن الوضع أكثر تعقيداً بالنسبة لنا في منطقة يكبر فيها اعتبار البدو لأنفسهم.
يمكن استخلاص العبر والدروس التالية من عمليات سحاب:
١_ضرورة تأسيس قوة مختلطة مؤلفة من الدركيين والفرسان والمشاة حاملي المدافع والبنادق في الجبال وشعابها إن سلاح المدفعية أكثر فعالية من مجموعة الفرسان الثانية.
٢- لا بد أن يمتلك ضباط وقادة الدركيين تجارب وخبرات عسكرية فالخبرة الشرطية وحدها لا تكفي.
٣_ ضابط المدفع الرشاش الاتوماتيكي الملازم ( شكري افندي) وشعبته جديرون بالشكر للطريقة التي سيطروا فيها على الموقف، وتعاملوا خلالها مع اسلحتهم أنهم وبفضل حضورهم حموا الفرسان بعد الإخفاق في اليوم السابق الملازم حسين أفندي) كان وقتها مسؤولا عن قوة تعزيز المشاة يستحق هو الآخر الشكر ورجاله للسرعة الفائقة التي اتجهوا بها ليلا إلى ساحة العمليات الملازم عمر افندي والقوة المؤلفة من الفرسان الدركيين كان بإمكانهم أن يبلوا بلاء أفضل لو أنهم وجهوا بحكمة أكثر في أولى أيام العمليات. وعندما خاطب ) عارف بك) الجند بدوا يستشعرون المعنويات العالية.
قابلت (مثقال باشا ) في عمان يوم عودتي لها ، وتناولنا العشاء معا في نفس البيت، عاملته ببرودة يسمح بها الأدب، ذلك أن تأخره عن الحضور يشكل خرقاً كبيراً لقواعد الاتيكيت.
اتسم الوضع العام بالهدوء ، وقد أنتج استسلام سحاب التام وتقهقر البدو المسندين لها انطباعاً مؤثراً في النفوس. لا أستطيع أن أختتم تقريري هذا دون أن أسجل النقاط التالية:
موظفو الحكومة المتصرف في السلط والقائمقام إلى جانب عارف يك والضباط عملوا ما في وسعهم لإنجاح العملية.
باءت بالفشل مساعينا لحمل سكان المناطق من العرب والشركس على بيعنا الذخيرة وأخيراً، أرغب في أن أسترعي الانتباه إلى الخدمات الجلية التي قدمها (عارف بك الحسن) قائد القوة -الدركية فقد أظهر القوة الحيوية، والقرار والتشجيع على مدى تعاملنا معه. التوقيع: الممثل البريطاني في عمان (برنتون) كان الشيخ (حديثة الخريشة قد أكرم وفادة قوات الدرك بتزويدهم بالطعام عندما مكثت القوة خارج سحاب طوال الليل.
وقد جاءت هذه القصيدة بسبب هذه الأحداث يمدح بها الشيخ حديثة الخريشة وهي للشاعر مفلح عبد الجواد الطهراوي
يصيح مفلح من ضمير موجع
والنار في قلبه تزيد الهـابـا
من خلف ذا يا راكباً فوق أشعل
مشيه هميم وزايد بهذايا
خذلي سلامي لدار البكري
وهو السكر وهو العسل لن ذابا.
شوق الطموح اللي تجر إثيابًا
تلفى حديثة شوق بيضا تنجلي
شوق الطموح اللى تجر اثيابا .
صبياناً بلْعُون ما بيهم ردي
كن ضيعوا ضن العدو بحرابا
صبيان باعت روحها للي يشري
يوم العذارى شلقن اثيابا
صارت علينا عجة ما تنجلي
غطيطة وغُتَامُ وسُوقُ الْجَلابا
بيهم يقول دعنا عليهم نمعلي
غطيطة وغتام وسوق للجلابا
هيا اركبوهن بالعجل يابو علي
وقع القدر يالله تخون اسبابا
حنا لنا من كل باب مغلق
تفتحت دنياك كل ابوابا
عيا علينا بالحدب خلفة علي
عيا علينا بقم ته وطنابا
بلقاك باقت يالخريشة بيهلي
قام يتصفق سنها في نابا
ولد الخريشة شبه سيف مصقلي
كن ضيع الحساد في جوابا
كن غاب عنا ساعة ما هي بطي
جتنا صفرا وراكبها عقابا
اللي رحل قولوله ينزلي
يلعن أبو العسكرع أبو اللي جابا
شاهر لفانا فوق شقرا عندلي
ذيب ولد ذيب وأس ذيابا
كن ذعذع الحردا وقوطر ينتخي
یلكد على متر اللوز ما يهابا
مرجي لفانا فوق سودا واسودي
أسود سواده مثل جناح غرابا
واحد من الحساد ليته يبتلي
بكبر بلوتـنـا أو أكبر بابا
يا شايل الهبرا على الحاكم تشتكي
تبغي دراهم ما تريد أصحابا
يا راد القرضا علينا بالوني
يا راد القرضا بليا طلابا
وختم كلامي بالصلاة على النبي
المصطفى العدنان وكل اصحابا .
الخلقة القادمة وساطة حديثة الخريشا ومنور الحديد ..
المصدر : كتاب الشيخ المجاهد حديثة الخريشة/المهندس فتحي الخريشة..