في الأردن إذا قلت للبائع أريد شراء كرابيج .. ستشعر أن الكلمة ناقصة ، لابد ان تقول كرابيج حلب ..للكرابيج في بلادنا هوية .
والصابون إذا قلت للبائع .. أريد صابونا محليا .. على الفور يسألك: ( نابلسي) ... أصلا لايوجد لدينا ( صوابين ) محلية غير التي تنتجها نابلس ..
وإذا دخلت لمطعم شعبي ... ستجد على
المنيو ( كبسة سعودية) .. حين يضع الطاهي كلمة سعودية فهذا يعني أنك ستأكل الكبسة التي تعد بالبهارات والنكهة السعودية ..
تخيلوا حتى الفانيلات والكلاسين في البلد حين تريد ان تشتريها يكفي أن تقول لصاحب المحل ( جقليص) .. وهي أشهر منسوجات سورية ..الفانيلات لها منشأ وهوية ...أيضا .
واللحم حين تريد أن تشتريه يخيرك البائع بين الروماني والأسترالي ، ويشرح لك الفارق بين مذاق هذا ومذاق ذاك ...وفي النهاية تختار الأسترالي لأنه ارخص .
والمعسل حين تريد أن تحرقه في صدرك لحجم الضيم يخيرك القرصون بين المعسل البحريني والتنباك المصري ...حتى احتراق التبغ في رئتيك له هوية .
كل شيء في بلادنا له هوية : الفانيلات ، الكلاسين ، الكرابيج ، التبغ ، اللحم .. إلى آخره ... إلا أنا بدون هوية ..
فإذا قلت عبدالهادي الكركي .. سيتهمونني بأني ارسخ الهوية الفرعية .. علما بأنهم لايفهمون معنى الهوية ..
وإذا قلت عبدالهادي الأردني ، سأتهم بالعنصرية ..وسيحدثونك عن قومية البلد .. وعن عروبته واحتضانه لكل العرب ..
وإذا قلت لهم : أنا مجالي
.سأتهم بالتخلف والعشائرية ، سيخبرونني أن الزمن تقدم .. وهذا عصر السوشيال ميديا والمشاريع الصغيرة ، والحديث عن القبيلة يعني التخلف ...
وإذا انحزت للجغرافيا وقلت من الجنوب : سأتهم بأني (جهوي و مناطقي إقصائي) ...
لماذا في بلادي للكرابيح هوية ، والصابون له هوية ، والفانيلات بكم وبدون كم لها هوية ...والمعسل له هوية ... وأنا بعد ٢٧ عاما من العمل في الصحافة اكتشفت أن كرابيج حلب .. هويتها راسخة أكثر من هويتي ..
عن ماذا كنت أكتب إذا ؟... وعن ماذا كنت أدافع وكيف أمضيت كل هذه السنوات هدرا .. في الدفاع عن ذنب لم أقترفه وهو أني (أردني) ..
نكاية بهم ، وحين أموت سأوصي أن يكتب على شاهد قبري ، مثلما أوصى طارق مصاروه - رحمه الله - سأوصي أن يكتب : كان أردنيا ...كان أردنيا .. كان أردنيا .