ما أخبار "الدائرة"، أقصد المخابرات العامة ؟ يبدو السؤال غريبا ، ونادرا ما يطرح في وسائل الإعلام الأردنية ، شجعني على طرحه ثلاثة أسباب ،على الاقل ، الأول : ما أشار إليه الملك ،أكثر من مرة ، خلال لقاءات مع عدد من الكتاب والصحفيين ، بضرورة تواصل الأجهزة الأمنية مع الاعلامين ، لإطلاعهم على ما تم من إنجازات ، وما يواجه بلدنا من تحديات .
الثاني : كان آخر لقاء جرى بين مجموعة من الكتاب ورؤساء التحرير مع مدير المخابرات العامة ، قبل نحو عام ونصف (نيسان 2021 ) سابقة لم تحدث منذ 25 عاما ، وقد فتح المجال آنذاك لحوار طويل وعميق استمر أربع ساعات ، قدم فيه "الباشا " صورة الدائرة والدور الذي تقوم به ، وموقفها من عملية التحديث ، ومن كافة القضايا الوطنية ، وفي تقديري انه كان من أهم اللقاءات ، و أنجحها ، لكنه لم يتكرر حتى الآن.
الثالث : انفتاح مؤسسات الدولة ، خاصة الأمنية ، على وسائل الإعلام ، التي تعتبر المنصات الأكثر مصداقية والتزاما بأخلاقيات المهنة ، وحرصا على مصالح الدولة ، يشكل خطوة ضرورية ،ونقلة نوعية ، في عملية التشارك بين الطرفين ، ويصب في مصلحتهما أيضا، صحيح أن هذه المؤسسات تقوم بدور وطني كبير ، وتزّود وسائل الإعلام ،أحيانا ، بأخبار نشاطاتها ، لكن الاعلاميين يتطلعون للإنتقال من دور المستقبل إلى دور المرسل والمحاور، ولديهم أسئلة وملاحظات تحتاج إلى إجابات ، لأنهم -بالتالي - يمثلون المجتمع ، و يعكسون نبض الرأي العام .
أعرف ، تماما ،ان دائرة المخابرات العامة إنخرطت بعملية التحديث على مساراته الثلاثه، وأنها جزء من هذا التغيير ، وقد تكفل مديرها حين التقيناه ، بعد أن صدرت مخرجات اللجنة الملكية، بدعم "مشروع الدولة " التحديثي ، واعتبر أن الحزبية أصبحت مطلبا وطنيا ، وخيارا للمرحلة القادمة، و أن "الدائرة" مع أحزاب ذات هوية وطنية ، لكن ما جرى ، بعد ذلك، خلال عام ونصف ، من تطورات في هذا الملف ، يحتاج إلى نقاش آخر ، ومن حق الرأي العام أن يعرف أين وصلنا ، وما هو دور الدائرة في ذلك ، وهل تسير الامور بالاتجاه الصحيح ، ثم ما العقبات التي تقف في هذا الطريق ؟
أعرف ،أيضا ، أن "الدائرة " تبنت مبادرات لفتح حوار عميق مع جيل الشباب ما بعد الربيع العربي ، كما أنها بعثت برسائل متكررة للمجتمع ، خاصة النخب والمسؤولين ، بأنها لا تتدخل باتخاذ القرار السياسي ، وإن فزاعة الوصايات التي يستخدمها البعض لتبرير أخطائهم ، أو تعليقها على "الأمني " سقطت وانتهت تماما ،كما قال مدير المخابرات آنذاك، حيث أن "الدائرة " ليست المكان المناسب "للاختباء" ، لان حركتها تتكامل مع حركة إدارات الدولة ومؤسساتها ، ودورها هو تقديم النصيحة والمعلومات فقط ، السؤال الآن : هل وصلت هذه الرسائل حقا للمعنيين، وكيف تعاملوا معها، خاصة وأن الدولة بصدد بناء مشروعها في الألفية الثانية ، وهو يحتاج لمزيد من المصارحات ، والتنسيق، والعمل التشاركي أيضا.
خلال عام ونصف أنجزت "الدائرة" في الكثير من الملفات ،الداخلية والخارجية ، لكن ثمة مستجدات تتعلق بأمننا الوطني، وعلاقاتنا مع محيطنا المضطرب ، وثمة اقتصاد يحتاج إلى رؤية أمنية وسياسية متكاملة ، وثمة إرهاب ما زال يهدد حدودنا ، أعرف تماما أن المخابرات تقوم بواجبها ، وحافظت على أمننا ومصالحنا ، ومازالت
ومازالت عيون أبنائها مفتوحة على حركة الاقليم، وجاهزة لمواجهة مخاضاته وأعاصيره، لكن من حق هذه الإنجازات أن تصل للرأي العام ، لتعزز ثقته بمؤسساته الأمنية ، ومن حق الإعلام ،أيضا ، أن يكون حاضرا بالمشهد والصورة ، فهو يريد أن يسمع صوت الاجهزة الامنية وجها لوجه، لكي يكون امينا وهو يتحدث عنها ، ويبرز مواقفها، ويطمئن ، من خلالها ،ان بلدنا بخير .