عاشت مجتمعاتنا العربية لدهور طويلة في سلام وأمن اجتماعيين بمحافظتها على فطرة الوسطية في معيشتها وعلاقاتها الاجتماعية ، كانت مجتمعات قانعة وراضية برزق الله لها ، ومنتجة ومتحابة ومتآخية بلا عنصرية ولا تمايز طبقي رهيب كالذي نعيشه في زماننا .
ارتبطت الوسطية بعدة تجليات في المعاني مثل اليسر و السماحة ، والسهولة والوسع واللين والرفق ، فأين نحن من هذه المعاني في زمن طغت فيه المادية فغابت عنه الوسطية وانتشر الفاحش والجريمة .
فنحن اليوم اما بين فقر مدقع أو غنىَ فاحشا ، وبين مواطن معارض لحكومة دولته وهو خائن يسعى لخرابها وتدميرها تنفيذا لمخططات خارجية أو مواطن قانع بما يجري بدولته ولايجهد نفسه بالتفكير في بحث مشكلات الواقع الذي يعيشه وايجاد افكار للاصلاح ، فالوفاء للوطن لا يتعارض مع تقديم النصح والافكار البناءة لتطوير المجتمع .
للأسف ، فان الوسطية قد اختفت في الكثير من مظاهر حياتنا المعاصرة ، فاما داعش والفكر التكفيرى المتطرف والارهابي ، واما قمة الانحطاط الاخلاقي والديني ، فقدن بوصلة الوسطية التي عشناها صغارا وتربينا عليها حيث التدين سهلا لينا طبيعيا وفطريا بلا قتل ولاذبح ولا خمار ، وانما رحمة وحب وتعاون وتكافل اجتماعي انساني راق جدا .
وعندما غابت الوسطية عن حياتنا صار هناك من لا يجد قوت يومه ، بينما آخر يغرق بيته باغراض ومشتروات لا يحتاجها فعليا ! حتى في الملابس نجد من يلبس الطاووس لاظهار غناه الفاحش ، في مقابل من يهمل نفسه ونظافته وملابسه !
"خبزنا كفانا " كان شعار اهل الريف في بلدنا العربي وانعكاسا لاسلوب حياة وسطية قانعة راضية بالفقر والحياة البسيطة والاخلاق الرفيعة ، ومع ذلك فلم يعرفوا الجرائم والقتل والتعذيب والسرقة والمخدارات التي نعاني منها اليوم .
بينما يرجع الخبراء في علم النفس والسلوك المعاصرين بعالم اليوم انتشار الجرائم وسوء الاخلاق الى الفقر ، وبرأيي ليس الفقر وحده مسئولا عن تدهور الاخلاق ، ومما جعل الفقر محورا لانتشار الجرائم ، هو الدعاية الاعلانية للسلع الاستهلاكية غير الضرورية والباهظة الثمن كالتي يستهلكها نجوم الفن والرياضة وغيرهما ، وكذلك المبالغة في اقامة الحفلات و الولائم وفيديوهات ترويج البضائع الغير ضرورية من الملابس الفاخرة والمجوهرات الثمينة و تصوير بعض السيدات من لمقتنياتهم و نشرها على السوشال ميديا كحديثين النعمة مما خلق ما يعرف بالحقد الطبقي .
وبات من ليس ضروريا صار ضروريا مثل شراء موبايل لطفل السبع سنوات ، وهكذا تتعد المتطلبات للطفل الصغير ، ولابد لاهله ان يحققوا طلباته بزعم حتى لا يكون أقل من غيره !
وهناك ترويج دعائي وغير مباشر على قنوات اليوتيوب التي تعرض أماكن المطاعم الفاخرة ومحال الملابس الماركات والاثاث الفخم واماكن التنزه والرحلات المكلفة للغاية ، وكل هذه الدعايات تحبط الفقير وتشعره بالعجز والحقد على غيره من الميسورين الا ما رحم ربي .
وهناك الالعاب الاليكترونية والدراما والاغاني التي تحث على القتل والسرقة ، كذلك طبيعة المجتمع الذكوري المتطرف الذي يحلل جريمة قتل الانثى والاطفال ، ولم يستثنى المسيحين من جرائم القتل ، فأحد الشباب يقتل ابنة عمه بعد ان رفضت تحرشه بها وحافظت على طهارتها وعفتها ، فأين الامان الاجتماعي حتى داخل الاسرة الواحدة ؟ !
والحقيقة الواضحة كشمس الضحى زيادة معدلات الجرائم بالمجتمعات العربية والاسلامية ارتباطا بالفقر وزيادة متطلبات الناس في زمن التجارة الاليكترونية والدعاية الضخمة للترويج لكافة السلع المهمة وغير المهمة ، و انتشار المخدارت وحبوب الهلوسة والكريستال في كافة الاوساط خاصة الشبايية ، ويختلط الفقر والجهل بالدين الحقيقي السمح .
فمن يقتل شباب بعمر الزهور بالمخدرات ، وهم قد ربوا على الالعاب الالكترونية العنيفة مثل لعبة الموت الاحمر وغيرها الذي يعلم الطفل جرائم القتل والسرقة للحصول على المال لا يهمه سوى الكسب المادي ، ومن يروج لسلع تجارية باهظة بأساليب جذب جهنمية لا يقوى علي شرائها معظم طبقات مجتمعاتنا لا يهمه سوى الكسب السريع .
والمسيطرون على العالم فيما يعرف بحكومة العالم الخفية ، بنشر الحروب والفتن الطائفية ويتحكمون بمصائر الشعوب واقتصاديات اوطانها ويحركون العالم كأنه دمية بين أصابعهم ، كل ذلك عمل على نشر الجرائم على العلن وصرنا نتعاطاها كما نأكل ونشرب ونتنفس .
فما نعيشه اليوم من جرائم حتى لاتفه الاسباب صار فوق تصوراتنا العقلية ، فمن يقف وراء كل الجرائم ؟ فبينما الاراء تذهب الى وجود توجه عالمي بنشر الجريمة اما بالحروب او التقاتل المذهبي ، او التقاتل العاطفي كما في قصص البنات اللواتي قتلن في الفترة الماضية، او الموت بجرعة مخدرات زائدة وتغييب العقل والدين .
وأراء أخرى تنفي فكرة المؤامرة على الشعوب ، متناسيين فكرة المليون الذهبي بالقضاء على البشر وافنائه في بضعة سنين ، وكانت المؤشرات قوية مع موجات كورونا التي حصدت آلاف الاوراح !
بظني انه لا نجاة للبشر على كوكبنا بمعزل عن العودة الي الفطرة ، واتباع منهج الوسطية في تعليم ديننا السمح والميسر لامور دنيانا وآخرتنا معا ، ونعانق الاعتدال في مختلف مظاهر حياتنا اكلنا وشربنا وعلاقتنا الاجتماعية ، ومن يملك أكثر من غيره فلينفق على المحتاج حتى لو ان تنظيم هذا من مسؤولية الحكومة ولكن التكافل و الشعور مع الاخرين يلزمنا المساعده
اننا بحاجة ماسة الى تطوير منظومتنا التعليمية وبرامجنا الإعلامية والقانونية معا لتكريس قيم الوسطية في الاعتدال والسلوك ومناهضة اي عمل فني او دعائي يقوض السلامة المجتمعية ويقلب الاحقاد بين طبقات المجتمع .