تحتفل مديرية الامن العام سنويا بيوم المرور العالمي كما تحتفل أيضا بأسبوع المرور العربي، ويأتي هذا الاحتفال تأكيدا على أهمية الشأن المروري في مجال اعمالها وخططها واولوياتها، ويأخذ التجهيز لهذا الاحتفال وقتا طويلا وجهدا كبيرا وتنسيقا واسعا، لان الغاية من الاحتفال ليس هو الحفل بذاته، ولكن الرسائل المرورية التي توجهها مديرية الامن العام من خلال الاحتفال والرعاية والحضور.
قمت بالمشاركة سابقا بأكثر من مرة في اعمال اللجنة التحضيرية لهذه الفعالية السنوية التي تحرص مديرية الامن العام على الاهتمام بها بشكل كبير، وهذه المرة كنت من ضمن المدعوين لحضور هذا الاحتفال والذي أقيم بقصر الثقافة صباح يوم الخميس ورعاه وزير الداخلية الأكرم وحضره عطوفة مدير الامن العام وجمع كبير من المدعوين والمهتمين بالشأن المروري والسلامة المرورية.
وقد نجح المنظمون بإثارة مشاعر الحزن والفرح، فأوجعوا قلوب الحاضرين عندما عرضوا علينا بعض التسجيلات التي توثق عدم التزام بعض السواقين اثناء قيادتهم للمركبات بقانون السير وقواعد المرور وتصور اللامبالاة بحقوق الآخرين والاستهتار بسلامتهم الشخصية وسلامة باقي مستخدمين الطريق وما ينتج عن ذلك من حوادث مرورية واصابات ووفيات. وأثلجوا الصدور عندما تكلموا عن النتائج المستمرة لخطط وإجراءات مديرية الأمن العام ومن خلال الإدارات المرورية وباقي تشكيلات مديرية الأمن العام وما أدت اليه من تخفيض في اعداد الحوادث المرورية وانخفاض في اعداد الوفيات الناتجة عن تلك الحوادث.
كان التنظيم مميزا وقد حملت كل فعالية من فعاليات الاحتفال المتنوعة رسالة واضحة وهادفة، وكان شعار الاحتفال لهذه السنة والرسالة الأساسية التي أكدت عليها مديرية الأمن العام على توجيهها للمجتمع هي ان "قواعد المرور سلوك حضاري"، عبارة اختزلت في طياتها كثير من المعاني والقيم والتوجهات، وبنفس الوقت أثارت بعض التساؤلات عند الحضور، ما هو السلوك الحضاري، والى أي مدى يمكننا وصف سلوكنا الشخصي بانه حضاري، والى أي مدى يمكننا أن نصنف أنفسنا ضمن الشعوب المتحضرة سلوكيا؟
وقد أكد معالي مازن الفراية وزير الداخلية في كلمته على ضرورة الدور التشاركي لكل مكونات المجتمع من فعاليات ومؤسسات ومن اهمية التعاون والتنسيق الجاد والهادف لإنجاح الاستراتيجية المرورية وأهدافها المتمثلة بتنظيم الحركة المرورية وتخفيض اعداد الحوادث وما ينتج عنها من إصابات ووفيات واضرار وخسائر.كما اشار العميد رامي الدباس مساعد مدير الامن العام للسير وشؤون الأجانب انه انخفضت نسبة الحوادث المرورية بنسبة 4% والوفيات الناجمة عنها بنسبة 14% خلال الثلث الأول من العام الحالي مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. قد لا تعبر هذه الأرقام عن حجم ومستوى الجهد المبذول وما كرسته مديرية الامن من إمكانات، ولكن المطلع على أعداد السواقين والمركبات وحجم الحركة المرورية اليومية في الأردن يمكنه استنتاج حجم الجهود التي تبذلها مديرية الامن لتحقيق هذه النتائج.
يقول العاملون في مجال التحقيق المروري ان سبب كل حادث مروري هو مخالفة مرورية، والمخالفة المرورية هي ناتج الإهمال والاستهتار ونتيجة عدم الالتزام بقانون السير وقواعد المرور وعدم احترام حقوق وسلامة الآخرين. وباختصار هو سلوك غير حضاري لا بد من معالجته ولا بد من العمل على تعديله وتحويله الى سلوك حضاري، فاذا كان السلوك هو كل الأفعال والنشاطات التي تصدر عن الفرد، سواءً كانت ظاهرة أو غير ظاهرة. واعية او غير واعية وسواءً كان أفعالا يمكن ملاحظتها وقياسها، كالنشاطات الفسيولوجية والحركية، أو نشاطات تتم على نحو غير ملحوظ، كالتفكير، والتذكر وغيره، فان عملية تعديل السلوك بحاجة الى مؤثرات متنوعة وعديدة. وقد يرى البعض انها عملية طويلة ومعقدة والأفضل هو تواجد كوادر الإدارات المرورية، ولكن لا يمكن أن يكون هناك "رقيب سير" في كل شارع أو تقاطع وفي كل الأوقات لمراقبة وضبط الحركة المرورية، وقد لا نكون بحاجة الى ذلك إذا كان السلوك إيجابيا وملتزما وحضاريا، فبالسلوك الحضاري يمكننا ان نحقق أكثر من ذلك، عندما يكون قواعد المرور سلوكا تطبيقيا فرديا، وسلوكا تربويا أسريا وتعليميا، وسلوكا اداريا مؤسسيا، وسلوكا تخطيطيا استراتيجيا، عندها يمكن تحقيق نتائج أكبر وأعظم في المجال المروري وباقي المجالات التي تنعكس عليها العملية المرورية ونتائجها. وقد يجعلنا بغنى عن المراقبة المرورية والإلكترونية. وفي الختام بوركت الجهود الطيبة لمديرية الامن العام.