لا تزال الأسرة الفقيرة تعيش ظروفاً صعبةً قاهرةً بسبب إرتفاع الأسعار خلال السنوات الأخيرة ، تجد الرجل يكابد الحياه و يستنزف جميع قواه من أجل توفير الحياه الكريمة لأفراد أسرته ، ناهيك عن استنزافه بسبب دراسة الأبناء في الجامعة ، حتى أن بعض الأسر الفقيرة أصبحت تعاني من المناسبات الإجتماعية وتكاليفها الباهظة و خاصة ونحن على أبواب فصل الصيف والمناسبات المختلفة لا سيما الأفراح منها .
كنت دائما أنصح المقربين والأصدقاء بالشعور مع الأسر الفقيرة و عدم تكليفهم فوق طاقتهم، كما انصحهم بتقليل الزيارات الرسمية التي تكلف الأسر الفقيرة الكثير بسبب العادات التي تفرض عليهم بحكم العادات والتقاليد إحترام الضيف و المخطوب .
أذكر أنني نصحت زميلاً قبل (١٧ ) سنة إلى ضرورة مراعاة ظروف أنسبائِهِ عندما كان في فترة الخطوبة، حيث كان يمتدحهم كثيرا قائلا : كلما أزورهم يعملون لي عشاءً مقلوبةً، منسفاً، وأطيب الطعام رغم أنهم فقراء ويسكنون في منطقة نائية " .
لا أكتمكم سرا بأنني كنت أشعر بالإمتعاظ لحديثه ؛ لأنه لم يقدر ظروفهم الصعبة، وعندما سألته ماذا تأخذ معك لخطيبتك في كل مرة تذهب فيها، فأجاب:" ملابس وهدايا وأزهار وعطور "، فسألته مرة أخرى: هل تأخذ معك دجاجتين، أرز، زهرة، باذنجان ،فواكة ؟ فكانت إجابته مثيرة للسخرية والاستفزاز قائلا :" بدك تحرجني ويقولوا عني همجي! شو دجاج شو رز شو زهرة!! وين عايش يا أستاذ يوسف إحنا في القرن الحادي و العشرين ".
أقسمت عليه بأن يغير من طبائعه، وأن يأخذ في كل مرة يزور فيها خطيبته تكاليف المقلوبة والمنسف وغيرها. وأن يمتنع عن أخذ العطور والزهور والهدايا؛ فظروف الذين يذهب إليهم صعبة، ماذا سيفعلون بالعطور والزهور والهدايا ، فشرحت له أن أنسباءه لربما ينحرجون منه و يقومون في كل مرة بعمل وجبة عشاء و لربما غير موجود عندهم تكاليف الوجبة.
وبعد هذه المحاولات اقتنع بحديثي و وجهة نظري ، وأصبح في كل مرة يذهب فيها لخطيبته، يأخذ معه الدجاج و الأرز وغيرها. وكان في كل مرة أجلس معه ينفجر من الضحك قائلا :" خطيبتي تشعر بالاشمزاز بسبب ما أجلبه لها من تكاليف للطعام، و كانت تقول له :" إللي نصحك جاهل إحنا جعانيين إحنا طالبين منك أكل وطعام؟؟
وكنت في كل مرة أحثه على الاستمرار بأخذ الطعام، وأقول له في كل مرة خطيبتك الجاهلة لا تعلم بمصلحة أهلها وكأنني استشعرت أن أهلها يعانون عندما يزورهم صهرهم الذين دأبوا على عمل الولائم له .
بعد سنة ونصف اتصل بي على عجل وطلب مني لقاءه، فلما أقبلت عليه صارعني باحتضاني وتقبيل رأسي وقال :" بيض الله وجهك ، يا أخ يوسف! أنت مفخرة ونعم النسل الطيب "
فسألته عن هذه الحفاوة وهذا الاحترام لي فأجاب: زوجتي وعمي يفاخرون بي أمام الناس ويصفوني بالكريم، ويذكرون لهم ما كنت أصنعه وبما أقوم به من أخذ تكاليف الطعام لهم ، فقد قالت زوجتي لو تعلم ماذا كان أبي يفعل في كل مرة تأتي لنا ، فقد كان يذهب للجيران لكي يستدين دجاجة؛ ليقوم بعمل الواجب لك ، فقد كنت تأتي بالليل من الدوام والمحلات في تلك المنطقة مغلقة وأبي فقير الحال يخجل في كل مرة تأتي لنا حتى وفقك الله وأصبحت تجلب معك تكاليف الطعام ، فقلت لها :" هذه نصيحة ذلك الأستاذ يوسف الذي وصفتيه بالجاهل ، فقد كان يحثني على عمل ذلك ، فقالت زوجتي: قبحني الله ، أنا الجاهلة، معاذ الله أن يكون ذلك الشاب جاهلا !! بسببه وبنصيحته أصبحت أفتخر فيك أمام أخواتي وأهلي وكم كنت كريما بينما أخواتي ينحرجن من أزواجهن الذين ما زالوا يأتون لهن بالعطور و الملابس و الهدايا، ويضعون أبي في حالة إحراج.
وقتها قلت له يا صديقي: الجيل الحالي (يحتاج فت خبز.. ) ، ويجب عليه تقدير الموقف، نحن لا نطلب من أي خاطب بأن يفعل ما فعلته بل يفعل ذلك إلا إذا كان وضع أهلها فقراء ، وأما إذا كانوا أغنياء فليأخذ معه ما شاء من الهدايا والعطور....