تقول الآية المقدسة "لَيْسَ مَا يَدْخُلُ الْفَمَ يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ، بَلْ مَا يَخْرُجُ مِنَ الْفَمِ هذَا يُنَجِّسُ الإِنْسَانَ»." وإسقاط هذه الآية المقدسة على ما أريد قوله هو أن الطهارة والنجاسة والنقاوة تنبع من قلوبنا، والقلب المقصود هنا هو مركز تفكير الإنسان وعمق أعماقه. هذه هي الميّزة التي ميّز بها الله الإنسان عن سائر المخلوقات، ليكون كائناً إنسانياً وروحانياً يستجيب للمقاصد الإلهية وللعزة الإلهية ويعمل على إرساء ضوابط الكون التي وضعها الله ليسير الكون ببهائه ونظامه وجماله.
إننا بإحتفالنا ببهاء عاصمتنا الحبيبة عمان وبصدور موسوعة عمان أيام زمان، الجزء العاشر لمؤلفه المؤرخ عمر محمد نزال العرموطي الذي يظهرُ جمالَ عمانَ ومفاتنَ عمانَ وتاريخَ وأصالةَ عمان، وكذلك بتغنِّيَنَا بجمال عمال وبهائها ونظافتها، فإننا نوجه بطاقة حب وتقدير لأمانة عمان الكبرى وكلّ عمال الوطن الشرفاء الذين يحافظون على رونق عاصتمنا الحبيبة عمان والتي تحتاج منَّا أن نعطيها من قلوبنا وأن نزين مداخلها ومخارجها بالحب والورد والياسمين، فهي عاصمة المجد الذي إهتز المجد،كما بكلمات الشاعر حيدر محمود، وقبلها بين العينين.
فعمان عروس، ثَوبُها ناصع البياض، يتطلب منّا أن نحافظ على نقاوته ونضارته وحسنه، لتبقى عمان عروساً نقية، وواجهة سياحية محببة للسائحين والزائرين أهلها وجبالها وأدراجها وأزقتها وآثارها وشوارعها وبساتينها وبناياتها الحجرية الناصعة البياض، فلا يليق أبداً أن نلوثها بإلقاء مخلفاتنا من شبابيك مركباتنا.
يوم أمس وأثناء قيادتي للسيارة في شوارع عمان الجميلة كسر قلبي ثلاثة مشاهد مؤذية، أحدهما من مركبة عربية فاخرة يلقي سائقها بورقتي محارم فاين من شباكه بجانب الإشارة الضوئية، وسائق آخر يلقي من سيارته قمعة سيجارته المشتعلة على الشارع العام، ويتبعه سائق دراجة نارية يقذف علبة سجائر فارغة من يده، فما أقصاه من مشاهد مؤذية، لأنها تعكس ثقافة تلوث العقول التي تحتاج قبل كل شيء أن تنظّف قبل أن نسعى لتنظيف شوارعنا.
فإلقاء مخلفاتنا على الشوارع العامة وعلى الأرصفة في أوروبا والغرب من الكبائر، والحفاظ على البيئة ثقافة يتربّى عليها الإنسان منذ نعومة أظفاره، فوطنه هو بيته الكبير، ولا يجوز لأيٍ كان أن يلوّثه أو يشوّه منظره.
هذه لمشاهدات الثلاثة التي رأيتها بأم عيني تتطلب إستراتيجية وطنية شاملة لتنمية معنى الولاء والإنتماء الحقيقيين للوطن وقيادته، فلا يتم ذلك بالشعارات والمظاهر الكاذبه بل بالممارسات والأفعال الصادقة. فعندما يخطئ الصغير نوبّخه، لكن ماذا نفعل عندما يخطئ الكبير؟!