يبدو أن النكسة التي حدثت في الخامس من يونيو 1967 جاء من يطرق بابها قبل حلول ذكراها بيومين.
فعل ذلك باقتدار رجل أمن مصري في عملية عسكرية فدائية مركّبة، حيث اخترق منفذ العملية الحدود المصرية الإسرائيلية عند الساعة الرابعة والنصف فجر يوم أمس السبت- وفقاً للمصادر الإسرائيلية- و أطلق النار على أفراد حراسة فقتل مجنداً ومجندة، وعندما وصلت دورية عسكرية إلى الموقع بعد انقطاع الاتصال معهما أطلق المنفذ النار على الدورية مما أدى إلى إصابة جنود آخرين توفي أحدهم متأثرا بجراحه.
وظل منفذ العملية صامداً حتى ارتقى شهيداً برصاص الاحتلال.
وذكرت مصادر إسرائيلية أن الجيش الإسرائيلي يشتبه بأن هناك مسلحاً آخر هرب إلى داخل الأراضي المصرية.
وأفادت القناة 12 العبرية بأن الجيش دفع بمزيد من القوات إلى منطقة الحدث وتم نقل الضحايا إلى مستشفى سوروكا.
من جهته قال المتحدث العسكري باسم الجيش المصري، العقيد أركان حرب غريب عبد الحافظ، بأنه قام أحد عناصر الأمن المكلفة بتأمين خط الحدود الدولية بمطاردة "عناصر تهريب المخدرات"، وفي أثناء المطاردة قام فرد الأمن باختراق حاجز التأمين وتبادل إطلاق النيران، ما أدى إلى وفاة عدد ثلاثة أفراد من عناصر التأمين الإسرائيلية وإصابة اثنين آخرين، بالإضافة إلى وفاة فرد التأمين المصري في أثناء تبادل إطلاق النيران.
إلى هنا ويبدوا بأن دائرة الحدث قد اكتملت! وهذا إجحاف بحق الشهيد المصري ما لم نقم بعصف الدائرة المغلقة بالأسئلة التحفيزية لاستنطاق ما خفي من أسرار حول العملية المثيرة للجدل.. والوقوف على أسباب جَعْلِ هذه العملية المصرية وكأنها استهدافٌ لمهربي المخدرات على الحدود المشتركة.
فلو كانت تصريحات الطرفين حول العملية مقنعة وحصر أهدافها في مكافحة التهريب، لكانت عملية المطاردة مشتركة، ومن المؤكد حينها بأن الطرف الإسرائيلي كان سيستخدم طائرات عتاليف العمودية كدأبه في مثل هذه العمليات.
أيضاً لما عثر الجيش الإسرائيلي على الجنديين القتيلين بعد ساعات من وقوع عملية إطلاق النار عند الحدود مع مصر، قبل الإعلان عن مقتل الجندي الثالث.. بل لجرى الأمر على الفور دون تلكؤ من خلال خط العمليات الساخن المباشر، ولما أُعْلِنَ عن توقعات الجيش الإسرائيلي بوجود متسلل آخر عاد أدراجه إلى مصر سالماً غانما.
ويمكن استنتاج الدوافع من خلال أن العملية ذكرتنا من حيث إيجاد القدوة، والتزامن، بالعملية التي نفذها المرحوم سليمان الخاطر في الخامس من اكتوبر عام 1985وتسببت بمقتل سبعة سائحين إسرائيليين قاموا باستفزازه، أي قبل يوم من ذكرى حرب أكتوبر المجدية التي حدثت في 6 أكتوبر عام 1973.. ووجه الشبه بين العمليتين أن عملية يوم أمس على الحدود المصرية الإسرائيلية وقعت قبل يومين من حرب (هزيمة) حزيران التي بدأت في 5 يونيو 1967.
وعن رمزية هذه المصادفة أن عملية يوم أمس تدرج في إطار العمليات الفدائية.. أي أن سبب اشتعال حرب الأيام الستة ما فتئ مستمراً على الحدود المصرية حتى يوم أمس ورغم توقيع معاهدة كامب ديفيد.
ففي 5 مايو 1967 صرح ليفي أشكول رئيس وزراء كيان الاحتلال أنه في حال استمرار العمليات الفدائية فإن تل أبيب "سترد بوسائل عنيفة" على مصادر "الإرهاب".
فكانت البداية لنكسة فلسطين التي دمغت جبين الأمة بالعار وظلت منبعاً للطاقة السلبية التي سيطرت على العقل العربي لعقود حتى تبدلت الأجيال المتعاقبة.. حينها كان جيش الاحتلال يدّعي بأنه الجيش الذي لا يقهر! لذلك هزم ثلاث دول عربية في ستة ايام.
ولكن واقع الحال بالنسبة لجيش الاحتلال الذي اختبر ميدانياً! فقد تغيرت صورته في نظر الإسرائيليين والفلسطينيين.. ليتحول إلى جيش يمتلك القوة العسكرية لكنه فاقد لإرادة القتال.. وما حدث يوم أمس يتوافق مع ذلك.
ووفق يديعوت أحرونوت فإن الرقابة العسكرية فرضت حظرًا على نشر معظم تفاصيل الحدث الأمني؛ حتى لا تتأزم الأمور مع مصر وكيلا يثور الشارع الإسرائيلي الذي لم يعد يثق بقادة الاحتلال.. متسائلين: أين هم من موشيه ديان الذي ضرب ضربته في ستة ايام! فَيُعَلِّم عليهم رجلُ أمن مصريٍّ يمتلك إراة الأسود!
رحم الله كلَّ شهداء مصر الذين أبوا على انفسهم الخضوع لإملاءات كامب ديفيد.. فمصر ولّادة.