اسمعوا أيّها الصغار المتأنِّقون والقاعدون بين أربعة حوائط قعدة دائريّة بحيث لا يراكم سواكم ولا يسمع "صريركم !!!" إلّاكم والمارّون ليستريحوا أو يهربوا من وجع الفراغ.. وتسمّون هذا "الصرير الضرير" شعرًا وأدبًا..! والصرير هنا قد يكون أي شيء إلّا صوت القلم..!
اسمعوا جيّدًا: في هذا الوطن شاعر بحجم الشعراء العرب الكبار اسمه " أحمد الخطيب" فاز بجائزة الروائي الطيب صالح العالمية وحقّق للأردن المركز الأول عام 2020 ولم تبارك له وزارة الثقافة من صغيرها لكبيرها.
وُلد أحمد الخطيب شاعرًا؛ دخل المدرسة شاعرًا؛ فلّ من الحصّة الخامسة شاعرًا؛ واجه قسوة الدنيا وتفاصيل الحرمان شاعرًا؛ سكب دموعه الوطنيّة شاعرًا؛ بدّل أحذيته الرديئة شاعرًا؛ وسحب أنفاس سجائره من صحّة المستقبل شاعرًا..!
الخطيب، يكتب أشعاره على أية مساحة مُتاحة يراها؛ على ورق المحارم؛ على قطعة صغيرة من كيس "شمينتو"؛ على باطن باكيت دخان؛ وإن ضاق الأمرُ وحلّ الشعرُ يكتبه على يده أو ذراعه.. لأنه شاعر مجنون معجون بمشروعه الشعري ولا يستتر خلف أطنان المديح الخشبيّ الزائف الذي لا يوصل للقارئ الحقيقيّ الحرارة..!
لله درّك من أحمد وخطيب..! ذات يوم يمشي في الشارع وبيده ورقة صغيرة.. يكتب أحمد شعرًا وهو يمشي.. يرافقه الوحي ويتجادلان على بيت من الشعر وأحمد يمشي والوحي يلهث خلفه.. الشارع ضاجٌّ بكل أصناف البشر وأحمد يمشي وكأن الشارع فارغ وله وحده وقد سمح للوحي بأن يتبعه.. تأتي سيارة وتضرب الشاعر، يسقط الشاعر مغمىً عليه بعد أن هُرست نظّارته.. الشاعر في المستشفى وحوله الناس بينهم الشرطيّ الذي سيأخذ أقواله.. وبعد أن يصحو من الغيبوبة يهنّئه الجميع بالسلامة ولا يردّ على تهنئة ولكنه يسأل سؤالًا واحدًا: أين قصاصة الورقة؟ فيسأله الشرطي: أي ورقة؟ فيجيب الشاعر: عليها قصيدة لم تكتمل..! ترك صحته وأوجاعه ورضوضه ونظّارته وترك التحقيق؛ ولم يفكّر إلّا ببيتين من الشعر الحقيقي..! هذا هو الشاعر؛ حتى وهو يتلقّى الموتَ شاعر..!
الشعر والأدب جنونان يصنعان وجدان الحياة وليسا لعبة للمتقاعدين والمشمّرين سواعدهم "للفتيت".. الأدب ديدن وليس دودًا يخرج من عفن الأشياء..!
لفهم النص أكثر وحتى لا يقتات عليه الصغار.. الخطاب حينما يكون مذكرًا بالكامل فإنه يشمل الرجال والنساء؛ فحينما أقول أيها المؤمنون فأنا أقصد المؤمنات أيضًا.. وحينما أقول أيها الصغار فأنا أقصد الصغيرات أيضًا.. كان يمكن أن أتجاوز هذا التوضيح لأنه معلوم للكبار بالضرورة ولكنّ الصغار يحتاجونه حتمًا..!