بالأمس القريب أناخَ جلالة الملك ركابه على ضفاف اليرموك عروس الشمال ، حلّ جليل القدر عظيم المنزلة ، بين نخبةٍ من رفاق السلاح ، عزوته وجنوده ، وقفنا أمام جلال تاريخ الجندية ، وهيبة القيم العسكرية التي أمضى بها جلالته إمتداد عمره وربيع شبابه وزهرة أيامه ، يجوب الصحراء متنقلاً بين معسكرات القطرانة وغبار مناورات خوّ ، عاش مع دويّ القنابل وأزيز الرصاص ، وركوب غيوم السماء، قافزاً مظلياً قبل طلوع الشمسِ أو بعد غروبها ، تلك المرحلة لها في نفسه مكانة وفي وجدانه منزلة ، تتوارى الذكريات خلف ميادين العزّة والكرامة ، يعشق الحنين إليها وإلى رجالها ، ما تزالُ تسكنُ وتعيش في ثنايا ضميره ، تركت بصمة وفاء واضحة في رحلة العمر ، جلالة الملك لم يكن يوماً (إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِّقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَىٰ فِئَةٍ) .
يُصغي جلالة الملك بكلّ تواضع إلى رفاق السلاح الذين يعتنقون عقيدة عسكرية تؤمن أنّ الجندية لم تكن مصدراً للعيش بل عقيدة ومشروع شهادة ، وامتدادً لمبادئ الثورة العربية الكبرى ، لهذا تراهُ يخفض لهم جناحه ، يلين لهم جانبه ، يُغذي معنوياتهم ، يرعى تطلعاتهم ،يحترم أفكارهم ، يُثمن إنجازاتهم ، يقدّر تاريخهم، يحفظ ودّهم ، في عيونهم الوطن مهيب ، وظنّهم بقائد الوطن لا يخيب ، ليس منهم من يمتطي صهوة المناكفة ، ولا يركب موجة الشعبوية ، أسعد لحظات حياته عندما يقضيها بين رفاق السلاح الذين ينظرون إليه كجبلِ أحد يُحبنا ونحبه .
لله درّ أعداء النجاح تُلامس أفكارهم وساوس الشيطان ، سَوَّلت لهم أنفسهم قتل أوطانهم يخربون بيوتهم بأيديهم ، نسوا أو تناسوا أن بناء الأردن الجديد يقوم على أسس متينة وقواعد ثابتة ، تضمن ديمومة الأمن وصلابة الإستقرار ، تنطلقُ من مشروع وطني شامل لتحديث المنظومة السياسية والاقتصادية والإدارية ، للارتقاء بمستوى الخدمات ، وتنعكس على رفع مستوى المعيشة لحماية كرامة الإنسان ليبقى الأردن جنة الحياة الدنيا يعيشُ فيها رفاق السلاح (فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ ۖ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) .