فقد الوطن واحدًا من رجالاته الذين أتسموا بالنزاهة والكفاءة ذو الفكر العسكري، والإداري الثاقب.
كان نظيف اليد محبوبًا من كل رفاق السلاح وعندما تولى رئاسته الحكومة شهد له الجميع بالأخلاق العالية والوطنية الصادقة.
لقد التقيت بالمرحوم مرتين واحدة وهو لا زال شاباً يافعًا وكنت أنا صغير السن كان ذلك حوالي منتصف السبعينات من القرن الماضي.
كان والدي رحمه الله (أبو سلطان) يعمل في عمان العاصمة الأردنية الحبيبة، وكان على علاقة مع والده رحمهما الله جميعًا حيث كان والدي يقول لي نحن وأياهم أبناء عمومة فقد سكن أخ لنا في ماحص وسكن جدنا في الصريح وهذا كان في القرن الثامن عشر ومثبت تاريخيًا وكان والدي يتردد على المرحوم والده الذي كان يملك دكانًا في المحطة على ما أعتقد قد فتحها والده بعد أن تقاعد من القوات المسلحة، وكان على ما سمعت منه يعمل في إدارة الاستخبارات العسكرية أن لم تخنى الذاكرة.
وكان والدي يحب والده، وكان والده دائم الحديث عن معروف العسكري، والإداري، فقد أحبه سمو الأمير الحسن متعه الله بالصحة وعمل معه وهذا كان حديث والده، فقد كان والده مستمتعًا بالحديث عن ابنه معروف، حيث سمعته يقول كنت أرغب بأن يدرس معروف الطب، لكنه لم يرغب (أي معروف) وشاءت الصدف مرة أن رأيته (معروف) شاباً طويل القامة يميل للسمرة يمشي وقامته العسكرية مرفوعة.
يتمتع بأدب جم، وعرف والده حيث قال ولدي معروف
لم يكن مفاجأة للمرحوم والدي (أبو سلطان) فقد كان يعرفه سابقًا، ولكنني كنت أراه للمرة الأولى.
وشاءت الظروف والتقيت بالمرحوم في مجلس الأعيان، وكان ذلك في منتصف عام 2012، عندما شرعت بتأليف الكتاب "أصحاب الدولة" الذي أتحدث فيه أهمية منصب رئيس الحكومة، والتطورات التي حدثت لهذا المنصب عبر تاريخ الأردن الحديث، وأسماء رؤساء الحكومات الأردنية منذ عام 1921.
وكان أن التنقيت بالعديد من رؤساء (الحكومات الأردنية، وكان منهم المرحوم "الدكتور معروف" أبا سليمان رحمه الله).
تقريباً بعد اللقاءين كان بحدود نصف قرن عندما عرفته بحالي تذكر والدي والأيام التي مرت، فقد كان دمثاً إخلاق عالية، وثقافة واسعة، وحضور طاغي يتذكر دقائق الأمور، يتكلم بهدوء ويشرح وبأسلوب علمي كيف لا وهو الذي درس الرياضيات، وحاول في رسالة الدكتور أن يستخدمها في حل المشاكل الإدارية، كنت مستمتعاً بالحديث معه، لولا مشاغله ومشاغل مجلس الأعيان كان اللقاء يطول لحوالي أربع ساعات، لكن للضرورة أحكام ودعته وخرج معي، صحيح أن علامات الارهاق قد أخذت منه، لكنه كان على درجة عالية من الأخلاق والأدب وودعته داعاً له بالصحة والعافية له ولولده سليمان رحمها الله وأعطاني تلفون الخاص عند الحاجة أتذكر ذلك جيدًا.
اليوم رحل دولة معروف البخيت ابن العم الذي عرفته ميادين الرجولة والانضباط والطاعة العمياء للوطن والإخلاص للعرش، والتفاني في سبيل الأردن، وعندما تقلب سيرته العطرة فقراء أول ما نقراء أنه ابن الوطن ابن ماحص من عشيرة العبادي التي عشقت الوطن وقدمت العديد من الأمثلة والرجال والأرواح والدم، والمواقف التي تنم عن عمق الانتماء للتراب، والوطن.
تقول سيرة حياة المرحوم معروف أنه من مواليد ماحص 1947 درس فيها وانتقل إلى عمان وتخرج من كلية الحسين الثانوية بعدها التحق بالقوات المسلحة فقد كان من المتفوقين والتحق بقاعدة الملك حسين الجوية، عام 1966 ويرسله الأمير الحسن للدراسة في الجامعة الأردنية.
ثم يرسل إلى الولايات المتحدة ويعود بعدها ليعمل في مكتب سمو الأمير الحسن ويرسل إلى بريطانيا ليعود إلى القوات المسلحة مديرًا للعمليات والتطوير، ثم نائبًا رئيس جامعة مؤتة حتى عام 1999.
عندما أحيل إلى التقاعد وكان يحمل رتبة لواء، عاد مجدداً للعمل العام الدبلوماسي عام 2002 سفيرًا في تركيا، عام 2005. سفيراً في اسرائيل ثم يعود للأردن مديراً لمكتب جلالة الملك، ومديراً للأمن الوطني، وعام 2005 عهد إليه الملك عبدالله تشكيل حكومته الأولى كي تخلف حكومة الدكتور عدنان بدران الذي أرهقته تفجيرات عمان والتي تكونت من 24 وزيرًا وجرت عليها أكثر من عملية تعديل واستقالت في 2007.
بعد أن حاولت أن تنهض بالاقتصاد الوطني واستطاعت تتجاوز الرحلة الصعبة التي مر بها الوطن فكان المرحوم عند حسن ظن الجميع فيه.
عهد إليه جلالة الملك بتاريخ 2011 أن يشكل حكومة جديدة بعد أستقالة حكومة دولة السيد سمير الرفاعي، وصدع للأمر الملكي وتشكلت حكومته بتاريخ 3/2/ 2011 وضمت 27 وزيرًا، وفي أواخر العام نفسه قدم استقالة حكومة عندما رأى أن عليه أن يفسح المجال أمام حكومة جديدة قادرة أن تنهض بالوطن.
فعهد الملك عبدالله إلى دولة السيد عون الخصاونة بتشكيل حكومة جديدة وكان ذلك 17/10/ 2011 وعين المرحوم في مجلس الأعيان الأكثر من مرة، وبعد:
أبا سليمان وأنت ترقد بسلام، نود أن نعلمك أن المجاهدين في غزة قد سطروا أروع ملاحم البطولة والفداء، وكانت لهم جولات وجولات ضد الجيش الذي لا يقهر، وهو بعون الله وعزيمة المخلصين من أبناء غزة قهر الجيش، وولى هرابًا، كل ذلك لأن الأهل هناك عازمون على تحرير فلسطين من رجس الصهاينة، نعلمك أبا سليمان، الذي جرى في غزة نقطة تحول في الصراع الصهيوني الحاقد مع الأمة العربية والإسلامية لصالح الشعب المكافح المرابط على تراب وطنية، لكنه لن ولم يستلم، نم قرير العين أبا سليمان أن أهلك وأخوانك أبناء فلسطين باقون على العهد والوعد مع أخوانهم الأردنيون يتقاسمون حلو الحياة ومرهباً الأبد.
فالأهل هناك مؤمنون بأن النصر قادم بعون الله حتى وإن طال الزمن إفراح أبا سليمان ورحمك الله ورحم كل الأهل الذين سقطوا دفاعًا عن غزة وفلسطين.
رحم الله المرحوم الدكتور معروف البخيت، وأسكنه فسيح جناته والدة ووالديَّ ورحم الله كل المؤمنين بقدسية الوطن والذين عملوا من أجله في كل وقت وحين، وتعازينا لكل لعائلية الصغيرة والكبيرة وللأهل من أبناء العمومة الشياب وآل العبادي الكرام في كل مكان.