المجد يعزف ألحانه على أبوابها ، والشموخ يترجل من عليائه لينحني أمام كبريائها ، والشجاعة تقلد أوسمتها على صدور رجالها ، والصبر يعلق قلائده في أعناق نسائها ، مدينة كل ما فيها يغمرك بالنشوة والعظمة كل ما فيها يفوح بالنصر وأهازيج البطولة ، إنها غزة كما اسمها مدينة القوة والمنعة ، المدينة المميزة التي ترجل على أبوابها فرسان الغزو المغولي البربري ، وكانت بداية انحسار غطرستهم بعد أن داست سنابك خيولهم الشرق بأجمعه بما فيه عاصمة الخلافة .
غزة غارقة في التاريخ فيرجع بناؤها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد ، وعرفت كل الحضارات بحلوها ومرها، وهي إحدى مدن –البنتابوليس– الخمس البيزنطية ، وغزة هاشم فيها اثر من نسب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهي مدينة رحلة الصيف لقوافل قريش ، ومسقط رأس الإمام الشافعي احد الأئمة الأربعة العظام ، غزة تاريخ مشرف لا يشوبه شائبة ، لم يلوثها الزمن ولم تغيرها عاديات الدهر .
غزة تمنى قادة الغزاة الاسرائليين لو يطلع الصباح وإذا بالبحر قد ابتلعها وجعلها نسيًا منسيًا ، كانت كالخنجر المسموم في خاصرة إسرائيل ، غزة لم تتحرر باتفاقيات السلام ، بل حررت نفسها بنفسها بدماء أبنائها الشجعان الزكية ، غزة عروس المدن العربية لم تنتظر ما تسفر عنه قرارات القمم العربية ولا شجبهم واستنكارهم بل شمر أبناؤها عن سواعدهم وزلزلوا الأرض تحت أقدام الطغاة وسطرت لنا سفرًا من البطولة والفداء والتضحية .
غزة مدينة الشهداء رجالا ونساء وأطفالا ، مدينة خلق أبناؤها من اللاشيء أسطورة خالدة ، ومن ركام القصف والدمار بطولة نادرة ومن حصار العدو وظلم ذو القربى قصائد عز وفخار ، فغزة أسطورة صنعت نفسها بنفسها فكانت نفيسة من نفائس الدهر ، فكم نحن صغار يا غزة أمام قامتك الطويلة .
" قم حي غزة والثم جرحها الرطبا وعانق النار والبارود واللهبا
وقبل الترب في الساحات من وله واستمطر الدم والنيران والشهبا
وقل لها سلمت يمناك شامخة ما زادها الهول الا عزة وابا
يا اخت عمري ما يدميك من وجع يدمي فؤادي ويشجي الروح والعصبا " .