حشود عسكرية اسرائيلية وامريكية هائلة في البر والبحر والجو ،لم يسبق لها مثيل الا اثناء غزو العراق،كل هذا الاعداد والاستعداد العسكري لمهاجمة مساحة محدودة جدا من الارض ،لا تعادل حي سكني في مدينة كبيرة ،لكنها تتميز باكثر كثافة سكانية على وجه الارض، انها قطاع غزة.
منذ سقوط اول صاروخ امريكي الصنع، من طائرة حربية امريكية، اطلقه طيار امريكي او اسرائيلي على ابناء غزة،والحديث يدور حول الاجتياح العسكري الاسرائيلي البري لقطاع غزة، للقضاء على المقاومة الفلسطينية كما يروجون،وكأن المقاومة بيضة في يد نتنياهو ،كما كان يدعي موشي ديان قبله في الستينيات من القرن الماضي.
اخذ الاجتياح البري اكبر من حجمه ،اعلاميا وتحليلا،من حيث الموعد والاستعداد والاعداد والتحشيد والتهديد والوعيد ،حتى اصبح هذا الاجتياح الموعود،يأخذ شكلا خالصا من اشكال الحرب النفسية ،بهدف التأثير على معنويات المقاومين والحاضنة الشعبية للمقاومة، ومحاولة التأثير على هذه الحاضنة وزعزعة صمودها وتحملها للحصار والقصف والتضحيات الجسام التي تقدمها ،بسبب ارتكاب الاحتلال جرائم فظيعة وصلت الى حد الابادة الجماعية ،كل ذلك بمشاركة امريكية مباشرة ورئيسية ،بالسلاح والجنود وكل ما تتطلبه الحرب .
بعد اسبوعين كاملين من القصف العنيف المتواصل برا وبحرا وجوا،وممارسة ابادة جماعية لليشر والحجر والشجر والبنى التحتية ،وفرض الحصار المطبق على القطاع ، ومنع الغذاء والدواء والمياه والكهرباء،ما يزال المحللون العسكريون والسياسيون يضربون بالرمل،لمعرفة متى يبدأ الاجتياح البري ،وكيف والى اي مدى يمكن ان يصل ،وكم سيأخذ من الوقت،وكم ستمكث اسرائيل في القطاع ،وهل ستقضي على المقاومة ،واسئلة كثيرة واجابات اكثر من التساؤلات ،والاجتياح البري لم يحدث بعد.
حتى تكون اقرب الى معرفة حقيقة عدوك السياسية والعسكرية، يجب ان تعود بذاكرتك الى الوراء لدراسة الاحداث التي شهدتها او عايشتها او سمعت وقرأت عنها ،ومقارنتها بالوضع الذي تعايشه الان.
ما يحدث الان في قطاع غزة يعيدني واحدا واربعين عاما الى الوراء ،عندما غزت اسرائيل لبنان ،ووصلت اطراف بيروت وحاصرتها ثلاثة اشهر،وكانت الدبابات الاسرائيلية تتقدم شبرا شبرا،والمقاومة الفلسطينية اللبنانية المشتركة تقاوم وتدافع عن بيروت ،ولم تقتحم اسرائيل بيروت ،بل دخلتها بعد خروج قوات المقاومة منها باتفاق عربي دولي.
اليوم يعيد المشهد نفسه مع فارق كبير بأمور كثيرة،لكن القصف والحصار يتكرر على قطاع غزة كما كان يحدث لبيروت.
اذا افترضنا ان الاحتلال الاسرائيلي ،قرر اجتياح قطاع غزة برا،وهو يعلم ان المقاومة في غزة تحت الارض ،لكنه لا يعلم تحت اي ارض ،كل ما يعلمه انها تتحرك في شبكة انفاق معقدة ،طولها خمسمائة كيلومتر،لكن قد تكون هذه الانفاق تحت قطاع غزة وقد تكون تحت صحراء سيناء،او تحت صحراء النقب،او تحت غلاف غزة .
حتى ينجح الاجتياح ،يجب ان تقوم اسرائيل بتدمير اكبر قدر ممكن من الانفاق تحت الارض،وهنا عليها القيام بعمليات قصف جوي باستخدام القنابل الامريكية المدمرة المخصصة للاهداف العميقة، بطريقة القصف العشوائي والتمشيط الجوي،وهذا يعني تدمير كل شيء فوق الارض،وقتل اكثر من نصف مليون مواطن فلسطيني،ثم القيام بعملية تسطيح الارض ،بمعنى ارالة المباني المتبقية والانقاض والركام بواسطة الجرافات،لتمكين الدبابات من الحركة والمناورة ووضوح الرؤية،لكشف تحركات المقاومين.
أما موانع او عوائق الاجتياح البري ،فانها تكمن في مسألتين اساسيتين،الاولى الكلفة الباهظة للاجتياح،وعدم التأكد من حسم المعركة لصالح الاحتلال،والثانية ان نتنياهو يحرص بشدة على اطالة امد الحرب ،والهروب الى الامام ،والاكتفاء بالحصار الطويل والقصف الدائم،الى ابعد مدى ممكن،لان نهاية الحرب كيفما تكون،تعني بداية نهاية نتنياهو السريعة،لانه سيذهب على الفور الى التحيقيق والاستجواب ،ومن ثم الى السجن سنوات طويلة، لانه المسؤول الاول عن هزيمة جيشه وكل ما حصل في السابع من اكتوبر في غلاف غزة،الى جانب وزرائه وقادة جيشه وأمنه.
لا انفي امكانية حدوث الاجتياح البري ،لكن اقلل من احتمال حدوثه،للاسباب المذكورة،وتوهان القيادة الاسرائيلية العسكرية والسياسية، وهبوط معنويات جيش الاحتلال، رغم الدعم المطلق والمشاركة الامريكية الرئيسية في الحرب ،والدعم والتأييد الاوروبي الغربي للاحتلال.