تعود القضية الفلسطينية إلى تصدر مشهد الأحداث عالمياً، وتكتسب زخماً كبيراً من التضامن الشعبي العالمي غير المسبوق مع الشعب الفلسطيني، حيث تشهد العديد من العواصم العربية والغربية وقفات شعبية ضخمة تحمل أنماطاً مختلفة من التفاعل، ويمكن تفسير هذه الأنماط وفقاً لما يطرحه دافيد إيستون (David Easton) في نموذجه لتحليل الأنظمة السياسية، حيث يقدم تصوراً لمدخلات الأنظمة السياسية المُعبرة عن تفاعل الشعب مع النظام السياسي بشكلين رئيسيين؛ فهي إما أن تكون على شكل التأييدSupport- الذي يقوم على تعزيز ودعم السياسة القائمة التي ينتهجها النظام السياسي، أو المطالب-Demands التي تدعو لتغيير أو رفض سياسةٍ ما بالمطلق، ويمكن النظر عبر "عدسة إيستون" لفهم المشهد الحالي من أنماط التفاعل الشعبي في دعم أو تغيير سياسات الدول الخارجية تجاه الصراع الحالي في فلسطين على النحو التالي:
يظهر نمط التأييد بشكل واضح في الدول ذات السياسة الداعمة للقضية الفلسطينية، ومنها عدد من الدول العربية، وفي الأردن؛ اتخذت الوقفات الشعبية نمط التأييد السياسي؛ لدعم وتعزيز السياسة الخارجية الأردنية، وهو ما يعكس جبهة داخلية موحدة داعمة لصانع القرار لتحقيق الأهداف العليا للدولة، والتي تتجسد في وقف العدوان المستمر على غزة وإدخال المساعدات، ومن ثم دعم إقامة دولة فلسطينية على حدود (1967) وعاصمتها القدس الشرقية، ودعم صمود الشعب الفلسطيني، ورفض التهجير المفضي -بلا شك- إلى تصفية القضية الفلسطينية.
وأما الصورة الأخرى وهي المطالب، فتتجلى في الوقفات الاحتجاجية الجارية في الدول الغربية، حيث اتسمت تلك الوقفات بالطابع الاحتجاجي الذي يعكس بُعد المطالب السياسية، وفيها يطالب المحتجون بضرورة وقف جرائم الحرب الإسرائيلية على غزة والشعب الفلسطيني، وتغيير السياسة الخارجية لتلك الدول المنحازة لإسرائيل.
قد يؤدي استمرار مثل هذا النمط من الاحتجاجات إلى تغيير حقيقي في سياسات الدول الغربية تجاه الصراع في فلسطين في أفضل تقدير، أو على الأقل؛ فقد تفرض هذه المطالب نوعاً من القيود السياسية المحلية، والتي ستَحُد من استمرار النمط الحالي لسياسات تلك الدول المنحازة كلياً لآلة الحرب الإسرائيلية، حيث سيتعين على قادة تلك الدول تحمل ضغوط محلية كبيرة نتيجة تجاهل الرأي العام الضاغط في الاتجاه الآخر، ويمكن الاستشهاد بحادثة مماثلة تسلط الضوء على أهمية التفاعل الشعبي وتأثيره في سياسات الدول؛ حيث ساهمت الاحتجاجات الشعبية في أمريكا الرافضة للحرب على فيتنام سنة (1973)، والتي استمرت لفترة طويلة امتدت لـ 9 سنوات وعارضت بشدة استمرار الحرب.
إن دور الإعلام في التأثير بالشعوب وبلورة رأي عام عالمي داعم لشعب فلسطين ذو أهمية كبرى، خاصة مع تفشي حملات التضليل التي تمارسها وسائل الإعلام الغربية في خِضم العدوان على غزة، وتحريف الواقع والانحياز الكلي للسردية الإسرائيلية، وهنا يظهر دور الدبلوماسية الشعبية وأهميتها في نقل الحقائق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ومخاطبة الشعوب الأخرى ليكونوا صوت من لا صوت لهم في تلك الدول.