لبنان أيقونة العرب هو ذلك الجوهرة العربية ألتي تعاني اليوم من أزمات خانقة ومحرجة، فبعد رئاسة الجمهورية يوجد اليوم أيضا شبح الفراغ يحوم حول قيادة الجيش في لبنان، في وقت يبقى يبحث فيه المسؤولون في لبنان عن آلية قانونية لتجنب الفراغ في المؤسسة العسكرية، ويتقدم شبح الفراغ في قيادة الجيش اللبناني على ما عداه من مواضيع داخلية، خصوصاً مع إقتراب إحالة قائد الجيش العماد جوزف خليل عون الذي إستلم منصب قائداُ للجيش اللبناني منذ 8 من آذار 2017 خلفاً للعماد جان قهوجي إلى التقاعد في الـعاشر من كانون ثاني/ يناير المقبل، وعلى رغم إرتفاع الأصوات المحذرة من خطر إمتداد الفراغ في رئاسة الجمهورية وعديد من المواقع الأخرى إلى المؤسسة العسكرية في ظل وضع داخلي مأزوم جداً، فاقمته الحرب على غزة والتطورات العسكرية على الحدود الجنوبية دقة وخطورة، لم تتوافر حتى الآن ضمانات وحلول سياسية وقانونية تبعد خطر الوصول إلى فراغ، قد يكون إن حصل الثالث على مستوى المواقع المخصصة للطائفة المارونية بعد رئاسة الجمهورية وحاكمية مصرف لبنان، وتخضع الخيارات القانونية المتاحة لتفادي الفراغ في قيادة الجيش بين تعيين قائداً جديداً أو التمديد للقائد الحالي أو تعيين رئيس للأركان، إلى حسابات سياسية تبدأ بملف رئاسة الجمهورية، وتصل إلى حد التخطيط عن سابق تصور وتصميم للإنقلاب على المؤسسة العسكرية، وهو إتهام وجه إلى " التيار الوطني الحر " و" حزب الله "، إثر إعتراض الأول على التمديد للعماد عون وطرحه خيارات يدرك سلفاً صعوبة تمريرها، كتعيينات جديدة للمجلس العسكري، سبق وقطع الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله الطريق عليها عندما رفض أن تعين حكومة تصريف الأعمال مديراً عاماً جديداً للأمن العام بدل اللواء المتقاعد عباس إبراهيم، ويلتزم " حزب الله " الصمت المريب ويعتمد غموض الموقف حيال التمديد للعماد عون مع تأكيدات أنه لا يريد ضمناً التمديد، لكنه يترك لحليفه النائب جبران باسيل مهمة قطع الطريق على عون، ويتخوف الحزب من أن أية مجاهرة في رفض التمديد لقائد الجيش قد تؤثر في حرية حركة عناصره حالياً في المنطقة الخاضعة للقرار الدولي رقم 1701، وتختصر مصادر سياسية موقف " حزب الله " بالقول إن الحزب لا يريد التمديد لعون، لكنه يترك تحقيق ذلك لغيره، كما لا يزال باسيل على موقفه المناوئ للتمديد التقني لقائد الجيش لأسباب مبدئية، كما يقول، فيما الهدف وفق معارضيه هو إبعاد العماد عون عن السباق الرئاسي، ويعتبر جبران باسيل أن الحل يكون في أحد مسارين :
الأول : أن تؤول القيادة إلى الضابط الأعلى رتبة، بحسب قانون الدفاع، والمقصود اللواء بيار صعب المقرب منه والعضو في المجلس العسكري، وكشفت مصادر نيابية عن أن رئيس لجنة الأرتباط في "حزب الله" وفيق صفا التقى اللواء صعب، إلا أن تكليفه قيادة الجيش هو خيار مخالف لقانون الدفاع، بحسب مصادر عسكرية.
المسار الثاني : بالنسبة إلى جبران باسيل، فيكون عبر تقديم وزير الدفاع موريس سليم، المقرب منه، مرسوماً بتعيين مجلس عسكري جديد بما فيه قائداً للجيش ورئيساً للأركان على أن يصدر القرار بتوقيع الـ 24 وزيراً في حكومة تصريف الأعمال، لكن هذا الأقتراح أصطدم بمعارضة البطريرك الماروني بشارة الراعي وأحزاب مسيحية أعتبرت أنه لا يجوز تعيين قائداً للجيش قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، فضلاً عن إستحالة تنفيذ شرط توقيع الـ 24 وزيراً نظراً إلى موقف سابق لـ"حزب الله" رفض فيه إسناد مهمة أي تعيين لحكومة تصريف الأعمال، وكشفت مصادر عسكرية لـ" اندبندنت عربية " عن أن وزير الدفاع في حكومة تصريف الأعمال العميد الركن المتقاعد موريس سليم يجهز لائحة بأسماء مقترحة لملء الشواغر في المجلس العسكري واقترح مدير المخابرات في الجيش اللبناني العميد الركن أنطوان قهوجي لقيادة الجيش، لكن سليم أصدر لاحقاً بياناً نفى فيه تسليمه رئيس الحكومة لائحة بالتعيينات العسكرية، متهماً الإعلام بفبركة الأخبار، وفي إتصال مع مكتبه رفض وزير الدفاع التعليق على موضوع التمديد لقائد الجيش، فيما كشفت مصادر مقربة منه عن أن قانون الدفاع لا ينص على التمديد، وأكدت أن الوزير يبحث عن حل قانوني، وهو إبن المؤسسة العسكرية وحريص عليها، وسبق وأبدى في أكثر من إجتماع مع رئيس حكومة تصريف الأعمال الرئيس نجيب ميقاتي إستعداداً لتقديم إقتراحات متكاملة لملء الشواغر في المجلس العسكري وفي قيادة الجيش عندما يصبح الموضوع مطروحاً، وعلى خط ملف التمديد لقائد الجيش، دخل البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي عندما عبر فور عودته من الفاتيكان عن رفضه لـ" إسقاط قائد الجيش وللتلاعب بالقيمين على المؤسسة العسكرية "، وذلك بعد إجتماع عقده مع رئيس التيار الوطني الحر أو التيار العوني جبران باسيل، لم يتمكن خلاله باسيل من إقناع الراعي بدعم تعيين قائداً جديداً للجيش، وفي تعبير لموقف جامع، دعا مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك إلى عدم المس بقيادة الجيش العليا حتى إنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وغمز مجلس الأساقفة من قناة جبران باسيل عندما أعتبر أن أي تغيير على مستوى القيادة العليا في مؤسسة الجيش يحتاج إلى الحكمة والعقلانية والتروي ولا يجب إستغلاله لمآرب سياسية شخصية.
وشكل تصويب الرئيس السابق لتيار " المردة " الرئيس سليمان فرنجية لموقفه السابق من التمديد للعماد عون دعماً مسيحياً إضافياً لذلك التوجه، خصوصاً أن للمردة وزيرين في الحكومة الحالية، حيث أشار فرنجية إلى أنه ليس ضد التمديد لقائد الجيش، مضيفاً " لكن التمديد " هو أحد الخيارات العملية المطروحة، ويجب علينا تسهيل أمور المؤسسة العسكرية ألتي نحرص عليها، وشكل موقف البطريركية المارونية مسنوداً بدعم قوى وأحزاب مسيحية أساسية، وفي مقدمها " القوات اللبنانية " صاحبة الكتلة المسيحية الأكبر في مجلس النواب، رافعة لخيار التمديد الذي لا يزال يحتاج إلى مخرج وحل قانوني يتم العمل عليه بالتوازي في الحكومة وفي مجلس النواب، وكشفت مصادر حكومية عن أن الرئيس نجيب ميقاتي يبحث عن صيغة قانونية أستثنائية قد لا تمر بوزير الدفاع وتسمح للحكومة بإتخاذ قراراً بتأجيل تسريح قائد الجيش عبر تأمين تأييد ثلثي الوزراء، ويستعد في المقابل تكتل الجمهورية القوية وأقصد هنا حزب القوات اللبنانية وحلفاؤه لتأمين شروط إنعقاد جلسة نيابية لإقرار إقتراح القانون الذي تقدموا به ونص على رفع سن التقاعد لرتبة عماد في الجيش لسنة واحدة، وزار النواب الـ 19 رئيس البرلمان الأستاذ نبيه بري في مقر إقامته في عين التينة أمس الإثنين، لطلب عقد جلسة تشريعية، ورداً على رفض بري حصر جدول الأعمال مسبقاً ببند التمديد وحده كما يشترط " القوات "، وأن لا جلسة تشريعية الآن، كشف النائب جورج عدوان لـ"اندبندنت عربية" عن أن الوفد طلب من رئيس مجلس النواب الأستاذ نبيه بري تحديد جلسة تشريعية وترك الحرية لكل فريق بأن يتصرف وفق قناعته، وأكد النائب جورج العدوان أن " القوات اللبنانية " تعتبر أن الفراغ في المؤسسة العسكرية بات بمثابة " ضرورة دولة "، من ثم لا يمكن في هذه الحال تطبيق القواعد العادية، وأكد أن " المصلحة الوطنية العليا تطغى على كل شيء، حتى على موقفنا المبدئي من عملية التشريع الذي لم يتغير ". والتقي وفد نيابي من تكتل "الجمهورية القوية" اليوم الثلاثاء، برئيس كتلة الحزب "التقدمي الاشتراكي" النائب تيمور جنبلاط في كليمنصو الذي يرفض رئيسه السابق وليد جنبلاط الإكتفاء بتعيين رئيس للأركان من الطائفة الدرزية، ليتسلم وحده قيادة الجيش، ولا يمانع الزعيم وليد جنبلاط التمديد للعماد جوزيف عون، كما من المقرر أن يزور الوفد النيابي ( القواتي) كتلة الإعتدال ذات الغالبية السنية، وسط معلومات عن توجه لدى مجموعة من النواب السنة لتقديم إقتراح قانون ينص على رفع سن التقاعد لكل القادة الأمنيين ليشمل المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان المنتمي إلى الطائفة السنية، وهكذا لبنان الأغلى على قلبي جوهرة العرب بعد كل الأزمات الإقتصادية والسياسية ألتي تعصف به تأتي أزمة الجيش اللبناني.