لم يدر في خلد ذلك الطفل البدوي، الذي كان مبهورا بزي والده المنتسب لقوات البادية، انه سيصبح في يوم قادم رئيسا لهيئة أركان الجيش العربي ويحمل لقب الباشا، فالقرار الذي اتخذه الفتى مشهور ووالده ذات يوم بعيد بالانتماء لقوات البادية وارتداء زيها العسكري، قد مهد الطريق أمامه ليكون قائدا عسكريا من طراز مختلف.
لم يكن قد أكمل الرابعة عشرة من عمره حين حمل مشهور حديثة الرقم ٧٦١٧ في صفوف قوات البادية التي ينتمي إليها كثير من أقرانه وأصدقائه وأبناء عشيرته، فقد دخل ذلك الفتى مرحلة الرجولة مبكرا، مستفيدا من الأجواء التي فرضتها ظروف عمل والده التي تتطلب التنقل من مكان إلى آخر، وطبيعة الحياة الصحراوية التي يباهي أبناؤها بالليل والخيل وغيرها من صفات الفروسية.
في تلك الصحراء وعلى أطراف مدينة معان ولد مشهور حديثة الجازي عام ۱۹۲۸ ، ليتنقل في عدة مدارس بحكم عمل والده من بينها المدرسة العبدلية قبل أن يلتحق بالجندية فتى يافعا.
لم يعرف أبو رمزي لنفسه حياة خاصة خارج إطار الحياة العسكرية التي قضى فيها ما يقرب من ثلاثين عاما، ظل فيها جنديا يحمل خارطة وطنه وأمته ناذرا نفسه للدفاع عن المبادئ الكبرى التي آمن بها هذا الفارس البدوي.
من اللحظات التاريخية التي لا تنسى في حياة الضابط المتحمس مشهور حديثة هو ما حصل في الأول من آذار عام ١٩٥٦، حين انتفض مع زملائه وأصدقائه ورفاقه ممن أطلقوا على أنفسهم الضباط الأحرار، لتعريب الجيش والإطاحة بقائده البريطاني كلوب باشا ، إذ كانت مهمة الضابط البدوي المتحمس هي حراسة منزل كلوب باشا وترحيله للمطار لمغادرة البلاد، ليأخذ فيما بعد الضباط الأردنيون مواقعهم في قيادة الجيش العربي الذي تخلص من الغرباء.
مع قرب انتهاء الحرب العالمية الثانية عام ١٩٤٥ ، كانت صفحة جديدة في السجل العسكري للجندي مشهور حديثة تفتح من جديد، فقد اختير للمشاركة في دورة للمرشحين الضباط في عمان استمرت لمدة عامين، ليتخرج منها وقد اشتدت حلقات المؤامرة على فلسطين في تلك المرحلة.
أكثر من أربع سنوات قضاها الضابط مشهور حديثة الذي حمل رتبة ملازم أول على مشارف القدس وشارك القائد . عبد الله التل في الدفاع عن المدينة المقدسة، وقد جرح في معركة كفار عصيون في أول مواجهة له مع العصابات الصهيونية، وأثناء خدمته في المنطقة اكتشف حجم المؤامرة التي تعرضت لها فلسطين، والدور المشبوه لجيش الانتداب في دعم العصابات الصهيونية، واكتشف هذا العسكري المتمرس الدور السياسي في معركة فلسطين عام ١٩٤٨ ، وكان يملك الجرأة على قول ما اعتقد انه صحيحا في تلك المرحلة.
وأثناء خدمته على مشارف القدس شهد عملية اغتيال الملك المؤسس، وتداعياتها السياسية والعسكرية والأمنية، حيث تسلم قيادة موقع مار الياس في المنطقة.
وفي نهاية عام ۱۹۵۲ حدثت تطورات مهمة في حياة الضابط البدوي، الذي صدر قرار بنقله إلى مدينة الزرقاء، وقرار آخر بنقله من سلاح المشاة إلى سلاح الدروع الذي كان قيد التأسيس، وكان له دور في تأسيس هذا السلاح الذي يعد من أهم أسلحة الجيش العربي.
لم يشارك قائد المدرعات مشهور حديثة في حرب عام ١٩٦٧ ، لذلك كان من السهل عليه مراقبة مجريات المعركة، وقد أحس بوجع كبير وهو يراقب انهيار الجبهة، لتبدأ مهمته في إعادة تنظيم القوات المنسحبة من الضفة الغربية، ليصبح قائدا لفرقة المشاة الأولى، حيث عاد إلى السلاح الذي عمل به من قبل، وليصبح بعد ذلك رئيس هيئة أركان الجيش العربي.
في تلك الفترة بذل القائد مشهور حديثة جهدا استثنائيا في إعادة بناء الجيش وربما قرأ جيدا انتشار ظاهرة العمل الفدائي التي أوجعت ظهر العدو، وهي تضرب يوميا في عمقه، واعتقد أن فترة الثأر من الهزيمة قد حانت لذلك استبسل مع ضباطه وجنوده في معركة الكرامة التي التحم فيها الدم الأردني والفلسطيني، واستطاع أن يثأر، ولو جزئيا، من هزيمة لحقت بالعرب قبل تسعة شهور فقط من تلك الموقعة الخالدة، وفي الخامس عشر من أيلول ۱۹۷۰ خلع الفريق الركن بزته العسكرية واستقال من موقعه في رئاسة هيئة الأركان حتى لا يضطر لتوجيه بندقيته في غير اتجاهها.
مثلما نجح أبو رمزي في حياته العسكرية فقد نجح كذلك في حياته المدنية، وصار رجل أعمال ناجح وهو يقود شركة خاصة أسهمت في دعم الاقتصاد الوطني.
من أكثر القادة العسكريين الذين يحظون باحترام المواطنين، ورغم توتر العلاقة في مرحلة ما بين الحكومة الأردنية ومنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أن علاقة أبي رمزي ظلت قوية مع المنظمة وقادتها، وكان له مقعده الأثير عند الرئيس ياسر عرفات، وقد شارك في العديد من المؤتمرات الفلسطينية، وقد منحه الرئيس ياسر عرفات وسام القدس.
في العدوان الثلاثيني على العراق وفي مواجهة الحصار الذي استهدف حياة العراقيين، كان صوت مشهور حديثة عاليا في الانحياز إلى خندق أمته، وشارك في العديد من مؤتمرات القوى الشعبية العربية التي عقدت في بغداد وصار واحدا من رموز الحركة الشعبية العربية.
في السادس من تشرين الثاني عام ۲۰۰۱ فاضت روح الباشا الفريق الركن مشهور حديثة إلى بارئها ودفن في مسقط رأسه في الحسينية بعد أن ودعته جموع حاشدة من الأردنيين الذين أحبوه.