صدر حديثا عن "الآن ناشرون وموزعون" في عمّان، ترجمة لمختارات من القصّة التُّركيَّة الحديثة بعنوان: "حَدَثَ في الآسِتانة"، من أختيار وترجمة وتقديم الأديب والروائي أُسَيْد الحوتري.
وقال الحوتري في سياق تقديمه لهذه المجموعة المتنوعة على صعيد الشكل والمضون والبناءات الفنية: إنّ هذه الباقة القصصيّة المُختارة ستأخذ القارئ العربيّ ﰲ رحلة إلى أجواء عثمانيّة تركيّة فريدة لم يختبرها من قبل، مؤكدا أن هذه القصص تقدم التّسامح وتقبّل الآخر كما في قصة "بون بون" وقصّة "الإسكافيُّ"وقصة "التمثيل الصَّامت" وقصّة "الجمل" وقصّة "تأثير الحزام".
ويضيف الحوتري بجانب أجواء التَّسامح والتَّعايش هذه، يعيش القارئ مع هذه المُختارات القصصيّة أجواءً أخرى. فكلّ قصّة من القصص المذكورة سابقًا تُسلّط الضَّوء على موضوعات اجتماعيّة متعدّدة: كالغربة، وبراءة الأطفال وذكائهم، والتّشوُّه الخَلقيّ والدَّمامة، والتّغيير، والهَوس، وغيرها من ثيمات متنوّعة.
كما تناولت بعض القصص مسائل فلسفيّة أيضًا، كما هو الحال ﰲ قصّة "ما أجمل الحياة" الّتي طرحت نظرة فلسفيّة جليّة حول مواطن الجمال ﰲ الحياة، وعن الكيفيّة الّتي يتوجب اتّباعها ﰲ تذوّق هذا الجمال بغية الشّعور بالسّعادة.
وأخيرًا تُختَتَمُ هذه المُختارات بقصّتين تصوّران تحوُّلين سياسيَّين خاصّين حدثا ﰲ تلك الفترة الزَّمنيّة الحرجة. حيث صوَّرت قصّة "الرّبيع" برمزيتها حزن الرَّاوي الشّديد على ما آلتْ إليه أحوال البلاد والعباد من خراب وتحوُّل وتبدّل مؤلم بعد ربيع عثمانيّ كان مُنتظرًا، ربيع وَعَدتْ به جمعيّة الاتّحاد والتّرقّي والّتي كان شعارها: العدالة، الأخوَّة، الحرّيّة، المساواة؛ فيما تصور قصّة "الحبّ الأعمى" حال الجمهوريّة التُّركيّة الّتي أعلنها مصطفى كمال على ما تبقَّى من أراضي الدّولة العثمانيّة المحتلَّة. وتنتقد القصّة الاغتراب الّذي عانت منه هذه الجمهوريّة والّتي قام مؤسّسها بعدَّة تغييرات جذريّة غير مسبوقة قرَّبتها من الغرب وأبعدتها عن عادات وتقاليد وقيم الشّعب التُّركيّ الّتي حملها ودافع عنها لمئات السنين.
إنّ هذه المُختارات القصصيّة أشبه ما تكون بمعرض للوحات شارك فيه نُخبة من فنّانين صوّروا بفرشهم جوانب متنوّعة من الحياة ﰲ فترة مفصليّة من التّاريخ العثمانيّ التُّركيّ، متوزعة على ثلاثة فصول هي: الفصل الأوّل، وتحت عنوان الربيع، واشتملت على القصص: "بون بون" للكاتب أحمد راسم، وهو كاتب، وصحفيّ، ومؤرخ، ومترجم، وباحث، ونائب ﰲ البرلمان التّركيّ. ولد ﰲ الدّولة العثمانيّة، إسطنبول (1864)، وتوفّي ﰲ (21 أيلول/سبتمبر 1932) ﰲ الجمهوريّة التُّركيّة، وله الكثير من الأعمال الأدبيّة على صعيد القصة والرواية وأدب السير. وقصة "الإسكافيّ" للكاتب رفيق خالد كراي، وهو مدرّس، وصحفي، وسياسيّ، وكاتب تركيّ، ولد الدّولة العثمانيّة، عُرف بتقنياته القويّة في السَّرد، وبلغته البسيطة والسّلسة، له العديد من الأعمال الإبداعية المختلفة. وقصة "تأثير الحزام" للكاتب عمر سيف الدين، وهو معلّم، عسكريّ، وكاتب تركيّ. ولد ﰲ الدّولة العثمانيّة، ويعتبر مؤسّس القصّة القصيرة التُّركيّة، وأهم روادها. عرف ببساطة لغته السَّرديّة، وقد كتب عشرات القصص، إضافة إلى العديد من الأعمال الإبداعية المختلفة. وقصة "التَّمثيل الصَّامت" للكاتب سامي باشازاده سيزائي، وهو سياسيّ، ودبلوماسيّ، وقاص، وروائيّ تركيّ. ولد ﰲ الدّولة العثمانيّة، إسطنبول، وهو صاحب أوّل رواية تركيّة واقعيّة والّتي تحمل اسم (المغامرة)، وهي روايته الوحيدة، وقد لاقت شهرة واسعة. وله مؤلفات في النقد والمذكرات. وقصة "الجمل" للكاتب التركي عمر سيف الدين. وقصة "ما أجمل الحياة" للكاتب ممدوح شوكت أساندال، وهو كاتب، ودبلوماسيّ، وسياسيّ تركيّ، ولد الدّولة العثمانيّة، عمل ﰲ التَّدريس. كان عضوًا ﰲ الاتّحاد والتّرقّي، نشر أوّل قصصه ﰲ صحيفة (مسلك) الأسبوعيّة. كان مغرمًا بالرَّسم. امتاز بالبساطة ﰲ معالجة موضوعاته الّتي تدور حول حياة أناس عاديّين. له العديد من الأعمال الإبداعية المتنوعة في القصة والرواية والمذكرات.
واشتمل الفصل الثاني "الخريف"على مجموعة من القصص هي: "الخبز أوَّلاً" للكاتب أورخان كمال، واسمه محمَّد رشيد أُغوتتشو، وهو روائيّ وكاتب سيناريو ولاعب كرة قدم تركيّ، ولد في الدّولة العثمانيّة، ويُذكر اسمه بين كبار أساتذة الأدب التُّركيّ. له العديد من الأعمال في أجناس أدبيّة مختلفة مثل الرّواية والقصّة والمسرحيّة والقصيدة، إلا أنّه تفوَّق ﰲ الرّواية. وقصة "منديل الحرير" للكاتب سعيد فائق عباسييانق وهو شاعر وقاص وروائيّ تركيّ. ولد في الدّولة العثمانيّة، اشتغل بالأدب. جذبت أعماله اهتمامًا كبيرًا عند كبار النقاد. ومن أشهر قصصه "السّماور".
واشتمل الفصل الثالث "الشتاء" على قصص: "الرّبيع" للكاتب أحمد حكمت مفتو أوغلو، معلّم، وأديب وشاعر، وسياسيّ تركيّ ولد في الدّولة العثمانيّة، عُرف بكونه كاتبًا قوميًّا تركيًّا. وقصة "الحُبّ الأعمى" للكاتب أحمد نجدت صانتشار، معلّم، ومفكّر وكاتب تركيّ، ولد في الدّولة العثمانيّة، نُشرت له مقالات عديدة في المجلّات القوميّة. وتغنّى بالهوية القومية التركية.
من الجدير ذكره أن الكاتب أسيد الحوتري روائي وقاص أردني، يحمل دبلوما في اللغة التركية، وشهادة بكالوريوس في اللغة والأدب الفرنسي، وشهادة ماجستير في الأدب الإنجليزي. وله ثلاث مجموعات قصصية: (النظرات)، (الهمسات)، (اللمسات). كما وله ثلاثة كتب في النقد الأدبي: الكتاب الأول باللغة الإنجليزية يحمل اسم: (الجغرافيا الإمبريالية) (Imperial Geography)، والكتاب الثاني بالإنجليزية أيضا يحمل اسم (معاني) (Meanings)، و(روايات تحت الشمس: قراءات نقدية في روايات عربية) هذا بالإضافة إلى كتاب في التنمية البشرية بعنوان: (سعادتك: فن التعامل مع النعم)، وكتاب للأطفال بعنوان: (حياة خاتم الأنبياء)، ورواية بعنوان (كويت بغداد عمّان) التي وصلت إلى القائمة الطويلة لجائزة كتارا (٢٠٢٣)، وهو عضو رابطة الكتاب الأردنيين، وعضو جمعية النقاد الأردنيين، وعضو مؤسس في مبادرة نون للكتاب.