بتوقف التفاوض على الطاولة القطرية ووصول الآلاف من القنابل الذكية شديدة التدمير للقوات الاسرائيلية من المخزون الاستراتيجي للدولة الأمريكية، تدخل "معركة الحوت" على الشعب الفلسطيني في غزة مرحلة تحمل عناوين شكلية تتمثل باجتثاث حماس وتأمين سلامة اسرائيل واطلاق سراح الاسرى، وهي أهداف للاستهلاك الاعلامي اما الاهداف الكامنة فهي تتمثل بإعادة احتلال القطاع وتهجير الشعب الفلسطيني لسيناء، وجعل منطقة قطاع غزة منطقة غير قابلة للعيش طاردة للسكان.
وهذا ما يمكن استنباطه من طريقة عمل آلة الحرب الاسرائيلية، التي تقوم بتدمير وتجريف البنية التحية بطريقة سافرة وامام الجميع، وتقوم بعمليه التهجير التدريجي لأهالي القطاع بطريقة ممنهجة، وذلك عبر تقطيع وصل القطاع بعمليات التجزئة لمناطق معزولة والشروع بتنفيذ جملة غير محددة من المناطق الامنة، على أن يتم بعد ذلك استخدام قنابل الترويع التدميرية لحشر الاهالى امام معبر رفح الحدودي مع الجانب المصري.
ولحين وصول القوات الاسرائيلية لما تريد تحقيقه، مازال العالم يقف صامتا؛ وأن تحدث فأن عناوين حديثة لا تتجاوز خطوط الشق الانساني؛ وتأخذ الطابع الوصفي لمجريات الأحداث دون جوانب تقريرية تقوم بوضع إجراءات من شأنها ردع حالة التغول القانوني والأخلاقي والقيمي التي تجاوزتها آلة الحرب الإسرائيلية، أو ان تضع خطوط حمراء على أقل تقدير في حال تجاوزها فإن تدخل ما سيكون حاسم وهو ما جعل من القوات الاسرائيلية تسرح وتمرح دون رقيب ولا حسيب، وتقوم بتجاوز كل الضوابط غير آبهة بكل التحذيرات التي صدرت من الغالبية العظمى من دول العالم.
وهذا من شأنه أن يستثني من القاموس الاسرائيلي أيه عملية سياسية او أحترام أيه مرجعية قانونية أو الوقوف عند أي قيم أخلاقية يستوجب التعامل على أساسها، وهي ماضية في غيها وفى الاستمرار في سياستها القاضية باحتلال القطاع بالحل العسكري واتباع سياسة الأمر الواقع، وهو ان تحقق فإن ما تفعله آلة الحرب الاسرائيلية في غزة سيتم تطبيقة على القدس والضفة، فلا يوجد رادع يجعلها تعيد تقييم حساباتها من جديد في ظل حالة الاجماع الاسرائيلي التي تحضن مواصلة العدوان على غزة وتهجير سكانها.
إن نجاح الحل العسكري بفرض سياسة الأمر الواقع، أمر اجدة خطيراً جدا ليس فقط على الواقع الفلسطيني الذي اصلا يرزح تحت الاحتلال فلا جديد عليه مهما حملت نتائج حرب غزة من نهايات، لكن مكمن الخطورة يقع على دول المنطقة بأسرها إزاء هذه السياسات الاسرائيلية المتبعة المقرونه بدعم أمريكي موصول عسكري وسياسي ومالي لدرجة غير مسبوقة، وهو ما يجعلها تهدد السلم الإقليمي، وقد تفرض بالمحصلة علاقة تطبيعية بين إسرائيل ودول المنطقة دون استثناء، ذلك في حال تم الإجهاز على المقاومة الفلسطينية بالشكل الذي يتم ترسيمه كما سيكون الخاسر الاستراتيجي فيها مصر، لانها ستكون قد خسرت آخر حديقة خلفية لها بعدما خسرت بالسابق القرن الأفريقي والعمق الاستراتيجي في النيل في معركة إثيوبيا المؤيدة من إسرائيل.
الامر الذي يجعل حرب القطاع تشكل حرب استخبارية مصرية إسرائيلية بإمتياز، يقود مسرح عملياتها "الشين بيت" من الجانب الاسرائيلي ويراقب مسرح عملياتها المخابرات المصرية بشكل شامل وذلك مع اشتداد حمى المعارك فى قطاعاتها المختلفة، وهو ما جعل من وكالة اكسيوس الاستخبارية تضع علامات استفهام كبيرة حول جملة التعاطي مع مسرح العمليات في غزة، وتستخلص بأن نهايات مسرح العمليات لن تكون كما تشتهي تل أبيب هذه المرة، وان الحل العسكري سيهزم كما وان سياسة الأمر الواقع سيتم رفضها ميدانيا وسياسيا، وهو استخلاص يقف لصالح المقاومة الفلسطينية التي أثبتت قدرتها بالدفاع عن البعد الاستراتيجي الذي تقف عليه مصر وصلابة إرادته في مواجهة قوة الاحتلال الغاشمة من أجل التحرر والاستقلال..