تواصلت فعاليات مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي في نسخته السابعة بمنطقة الكهيف مساء يوم السبت (9 ديسمبر)، بحضور عبدالله العويس رئيس دائرة الثقافة رئيس المهرجان، وأحمد بورحيمة مدير إدارة بالمسرح بالدائرة مدير المهرجان، إضافة إلى جمهور كثيف غصت به المساحة المخصصة للتظاهرة الفنية والثقافية المكرسة للاحتفاء بمرويات وجماليات البيئات الصحراوية العربية.
واستهل اليوم الثاني للمهرجان بالمسامرة الفكرية التي جاءت تحت عنوان «تحديات الأداء التمثيلي في المسرح الصحراوي»، وأدار جلساتها الفنان الإماراتي عبدالله راشد، وقدم أولى مداخلاتها الباحث المغربي عبدالمجيد أهرى بورقة عنوانها «التمثيل في المسرح الصحراوي: تساؤلات وتأملات»، طرح من خلالها مجموعة من الأسئلة على صيغ الأداء التمثيلي التي ميزت أغلب العروض المسرحية التي قدمت خلال الدورات السابقة للمهرجان، ومن تلك الأسئلة صلتها بالأساليب التمثيلية التي ارتبطت بخشبة المسرح التقليدية «العلبة الإيطالية» من جهة، وعلاقتها بالفضاء المفتوح الذي اقترحه المهرجان من جهة ثانية. كما سأل الباحث المغربي في سياق تعداده للاختبارات التي تفرض على الممثل في المسرح الصحراوي عن الأمكنة التي تجري فيها «بروفات» الفرق المشاركة قبل تقديم عرضها الرسمي، وفيما لو كانت تماثل حيز الأداء في المهرجان، وعن المهارات وآليات الاشتغال التي يجب أن يتوفر عليها الممثل لينجح في المسرح الصحراوي: صوته، وطواعيته الجسدية، وإيماءاته، وإشارات يديه، وحركاته، وخبراته في أداء المعارك والتقنيات الخاصة بالفروسية والخطابة والإلقاء الشعري ...إلخ. مشيراً إلى أن فرجة المسرح الصحراوي تفرض على الممثل أن يخرج مما عرفه من مناهج أدائية ليتملك خبرات جديدة.
وتحت عنوان «الصحراء بصفتها فضاء تمثيلياً بكراً» جاءت مداخلة المخرج كريم رشيد من السويد، الذي ذكر أن مهرجان المسرح الصحراوي يمثل «عودة إلى الأصول»، و«احتفاء بثراء الطبيعة»، مشيراً إلى أن فضاء المهرجان يمثل مكاناً بكراً لم يختبر مسرحياً من قبل، وليس ثمة ارتباط سابق له «بمرجعية موضوعية أو ذاتية». ورصد المتحدث مجموعة من الإشكاليات والإشراقات التي ترافق عمل الممثل في المسرح الصحراوي، فهو على سبيل المثال قد يجد نفسه بعيداً عن الجمهور، ما يحرمه من استثمار حركاته الدقيقة التي يمكن أن تكون مؤثرة وفاعلة في المسرح التقليدي، لكنه بالمقابل قد يعثر في المسرح الصحراوي على إمكانات أفضل لتوظيف قدراته في التعبير الجسدي وتحديد وتحجيم المساحة الشاسعة للفضاء الصحراوي، من خلال تشكيلات وحركات المجاميع، كما أن في وسعه استخدام مكبرات الصوت بمنهجية الأداء الإذاعي بما فيها من دقة ورهافة وحساسية عالية في مستويات الصوت المنخفضة، ومع توافر تقنية التسجيل الصوتي المرافق Playback يمزج المشهد المسرحي بين أصداء المسرح الإذاعي وصورة المشهد السينمائي، لاسيما في المشاهد التي تتسع فيها الحركة، ويتنقل فيها الممثلون في مساحات شاسعة، مما يضع الممثل أمام تجربة متفردة تقدم تنوعاً شائقاً لوسائطها وتُثري مفردات الأداء والتأثير.
وقدم الباحث المصري محمد أمين عبدالصمد ورقة بعنوان «المسرح الصحراوي بين التمثيل والشخيص»، وتطرق فيها إلى تجربة مؤدي القصص الشعبي الغنائي في الثقافة المصرية بصفته الأقرب إلى طبيعة الأداء التمثيلي في المسرح الصحراوي، محللاً سمات أدوار ذلك المؤدي من حيث علاقته بعناصر مثل فضاء العرض ودائرة المتفرجين.
وتحت عنوان «المسرح الصحراوي بين الأنثروبولوجيا والدراما» جاءت مداخلة الباحث والكاتب المصري عصام عبدالعزيز، الذي أشاد بفكرة المهرجان مشدداً على أن التاريخ العربي حافل بالقصص الدرامية التي يمكن استلهامها لترسيخ تجربة المسرح الصحراوي، داعياً إلى وضع برنامج فني وعملي لتدريب الممثل على الاشتغال في رقعة الصحراء، وعلى استخدام جسده وصوته واكتساب المرونة، وذلك من خلال التدريب الواعي والمستمر والممنهج وفق أسلوب علمي، مثل التدرب على الرقص الإيقاعي والأكروبات، فضلاً عن القدرة على ركوب الخيل والجمال، والتدرب على المبارزة والقتال إذا طلب منه أداء دور المقاتل.
وجاءت المداخلة الأخيرة للباحث المغربي رشيد بناني تحت عنوان «هل التمثيل هو كل شيء في المسرح؟» وركز فيها على إبراز التطورات التي عرفتها مناهج الأداء التمثيلي منذ البدايات وصولاً إلى الوقت الحاضر، مبيناً أن مهرجان الشارقة للمسرح الصحراوي يمثل سانحة لكي نجرب المزج بين ما طوره الغرب من أنماط الأداء التمثيلي وما يمكن استخلاصه من الأشكال الأدائية التي عرفتها الثقافات الشعبية العربية.
وفي ختام المسامرة الفكرية، قدم أحمد بورحيمة شهادات المشاركة والشكر إلى المشاركين.
أولاد العالية
وفي برنامج العروض شهد الجمهور المسرحية الموريتانية «أولاد العالية» تأليف وإخراج سلي عبدالفتاح وأشرف عليها فنياً المخرج التونسي حافظ خليفة، وقدمتها فرقة إيحاء للفنون الركحية. وتميزت المسرحية بثراء تعبيري وبصري تفاعل معه الجمهور تفاعلاً واضحاً. وحكت عن قبيلتين متجاورتين كانت إحداهما دائماً تغلب سواها في الحروب ليس لشجاعة فتيانها فحسب وإنما أيضاً لأن لديها ما يشبه تميمة النصر، وهي فرس زعيم القبيلة وتسمى «المزوزة».
تعمل القبيلة الأخرى كل ما في وسعها حتى تحصل على تلك الفرس، وذات يوم تختار أكثر أفرادها دهاء وخبرة بالحياة وتبعثه إلى مضارب تلك القبيلة المنتصرة دائماً، حتى يأتي لها بالمزوزة سواء بالقوة أم بالخدعة. وخلال سنة يكسب المبعوث ود زعيم تلك القبيلة وأعيانها بما يقدمه لهم من خدمات، كما يقع في غرام إحدي فتياتها، وحين تأتي ساعة الهرب بالفرس يجد نفسه متنازعاً بين الوفاء لالتزامه تجاه قبيلته، واعترافه بكرم وترحاب وحفاوة زعيم ورجالات هذه القبيلة؛ وبينما هو على هذه الحال يحاول سرقة الفرس، إلا أن الحرس ينتبه إليه ويقبض عليه، ويأمر زعيم القبيلة حرسه بحبس المبعوث إلى الصباح. وحين يحل المبعوث في سجنه يأسى لحاله ويرثيها بأغنية يتأثر بها زعيم القبيلة فيعفو عنه ويهديه الفرس إكراماً حين يعلم مقصده؛ وتتفاعل قبيلة المبعوث مع هذا الموقف النبيل بأن ترد الفرس وتتصالح مع صاحبها وقبيلته.
وفي المسامرة النقدية حول العرض ثمنت الباحثة التونسية فوزية ضيف الله جهود فريق العمل، وامتدحت التوظيف المبدع للغناء والشعر والأمثال، والمزج بين العربية الفصحى والعامية، مشيرة إلى أن مضمون العرض يظهر لنا كيف يمكن أن يسهم الفن في ترسيخ القيم والمبادئ الجميلة.