لم تأتِ زيارة مُستشار الأمن القومي الأمريكي سوليفان الى تل ابيب لارسال رسالة لوم لاسرائيل بعدم قُدرتها على تنفيذ الاهداف الامنية والعسكرية التي تم وضعها في بادئ الحرب على قطاع غزة بل جاء حرصاً على الابن المُدلل " اسرائيل" بان تستمر حتى تنفيذ الاهداف بطريقة اكثر تركيزاً ودقة، جاءت زيارته لاعطاء المشورة والنصيحة مثل الاب الذي يُقدم نصيحة لولده حتى يقدم افضل ما عنده وينجح وذات الصورة تنطبق على اسرائيل والولايات المتحدة الامريكية التي ما زالت علاقتهما الاستراتيجية وثيقة يصعب قطعها مهما كانت الخلافات والتناقضات بين الادارة الامريكية والاسرائيلية.
زيارة سوليفان جاءت لاكثر من هدف وهي معرفة نجاح مسار الخطط التي وضعتها اسرائيل ومتى سيتم انهاء المرحلة الثانية المتعلقة بمنطقة خانيونس ومتى سيتم البدء في المرحلة الثالثة المتعلقة بتطهير قطاع غزة كلياً من المقاومة المسلحة ومدى القُدرة على نزع السلاح في اقصر وقت ممكن لتخفيف وطأة ضغط العالم الخارجي والراي الدولي حول ما يحدث في القطاع من مجازر بشرية وابادة جماعية حيث بات حلفاء الولايات المتحدة الامريكية ينتقد اسلوبها ودعمها لاسرائيل الشامل دون انجاز اهداف والهدف الظاهر فقط قتل المدنيين الفلسطينيين حيث باتت الصورة تُحرج من يدعم اسرائيل سواء بالتصويت او بالخطابات السياسية.
زيارة سوليفان تُثبت معادلة لا هزيمة ولا خروج من المعركة الا بتنفيذ الاهداف التي تم وضعها هذا يعني استمرار اطلاق النار، كما ان سوليفان لم يضع الجدول الزمني لانهاء الحرب حتى يُعطي مجالاً لاسرائيل ان تنفذ اهدافها وان طال الوقت، وايضا حتى لا تضع اسرائيل اللوم على اميركا بانها وضعت جدولاً زمنياً دون تنفيذ اهداف وان عدم القُدرة على احراز نصر بسبب عائق الزمن.
معادلة واضحة تماما لن تخرج اسرائيل مهزومة فهذا يعني هزيمة للولايات المتحدة الامريكية وفضيحة ابدية لن تقبل بها الاخيرة بان جيشا تقنياً وعالي المستوى فشل امام مقاومة متواضعة الادوات تحمل فقط عقيدة ايمانية لعل ان تحرز نصراً بادوات الثبات والصمود.
سوليفان لم تاتي زيارته فقط الى اسرائيل بل الى السلطة الفلسطينية لالقاء اللوم على عدم قدرة السلطة على بسط نفوذها الفعلي في الضفة الغربية امام خروج مناطق وبالتحديد المخيمات التي باتت خارج السيطرة الامنية وكانها خارج حدود تصنيفات اراضي السلطة الفلسطينية وهذه رسالة تشي عن ما يتم طبخه خلف الكواليس عن البدء نحو تغيير الشرعيات وعمل اصلاحات هيكلية وادارية بمؤسسات السلطة وتجديدها حسب مقتضيات الامن القومي الاسرائيلي والحفاظ على هدوء الضفة الغربية، وجرأة اميركا وبعض الدول بالمطالبة بالتجديد جاء لاكثر من سبب لعدم ترسيخ انتخابات دورية مستمرة على صعيد مؤسسات السلطة ومنظمة التحرير، فقدان الشارع الفلسطيني بشكل السلطة الحالية ومطالبته المستمرة في تجديد الشرعية عبر صندوق الاقتراع، عدم قدرتها على اصلاح جذري لمؤسساتها حيث بات فقدان الثقة بها من منطلق ترهلها الاداري والمالي، عدم قدرة السلطة الحالية على تقديم الحماية للمواطنيين الفلسطينيين من المستوطنيين، عدم توفر الامن الذي يريده الاحتلال، مطالبة بعض الدول العربية بتجديد الشرعيات حتى تستطيع ان تقدم الدعم المالي لجهة واحدة.
سوليفان وحديثه عن اليوم التالي هو لترتيب الوضع الداخلي الفلسطيني من خلال ايجاد توافقات كلية تشمل الكل الفلسطيني لكن وجهة الولايات المتحدة الامريكية تاتي من منطلق انخراط فصائل المقاومة ضمن الواقع السياسي لمنظمة التحرير ونزع فكرة المقاومة المسلحة ومن ثم البدء باعادة اسطوانة حل الدولتين "ذر الرماد في العيون" التي انتهت كليا على ارض الواقع فلا مجال حاليا امام امتلاء الضفة الغربية بالاستيطان، واضح تماما ما يريده الامريكان هدوء مقابل تقديم رواتب للموظفين ولا حديث مستقبلي عن الافق السياسي بل نواحي معيشية ادارية سواء في الضفة او قطاع غزة وهذه نقطة يتفق معها الاسرائيليين.
لكن هذا الامر ليس حلاً للفلسطينيين بعد تقديم الالاف من الشهداء بان ينتهي الامر بتسوية معيشية دون افق سياسي فعلي يحقق الامن والاستقرار للجميع، الامر الذي بحاجة ان يتم تفعيل دور الجانب السياسي الفلسطيني بان الامر ليس طعاما وشرابا بل الامر اعمق من ذلك بان أي هدوء بحاجة لحلول سياسية وعملية الضغط على الجميع للدخول الى منظمة التحرير مهمة لكن بحاجة فعليا لانتخابات تفرز عهد جديد قبل فرض امر واقع لن يرغب به احد.