على تله تسكن خاصرة الزمن والذكريات ، كان اللقاء بين أبناء العمومة لمهندس يحمل في ثناياه الوطن إينما رحل، مجبول على الوفاء والعطاء لاهله وعزوته معاً، حالم ويحمل الصبر ، وعلى اكتاف الماضي ومع بدايات زمن الكورونا الذي ولى دون رجعه، كان الحلم يراود المهندس علاء عبيدات حفيد الشيح قويدر العبيدات مهندس من الطراز الرفيع ومهندس إجتماعي يكتنز الكثير من محبة اهله و اصدقاؤة ... وسم اربداوي عبيداتي وطنياً نوعياً ومرتبط بجذوره تاريخياً ، مع ثلة من الأعمام الى تلك التله وفدوا وبدأ الحديث جلياً عن المضافة والمقر ولقاء الزعامات ، وما اسدل المساء لحظاته حتى صدح البوح بفكرة ولم يكن يعلم للتو بأن المخاض بها أتى سريعاً، فتمدد السهر وذبلت العيون وإذا بالحلم ينتشي الزمن الجميل، ويتعربش أهات الوجع ، جاءت الفكرة ليكون الصمت سيد المكان، فألقى بها ولم يمضي عصر البيت الذي خفقت الأرياح فيه إلى غير رجعة، لا بل أصبح القصر المنيف الذي يزدهي بزواره وعشاقه من الاحفاد اللذين ولدوا من جديد على أصوات المزاميل وإعادة الترميم لتكون العمارة فناً يلمس شغف الناس، فجاءت الحنية لمنازل ومضافات الحجر والطين ليواصل الحلم الغوص في العمق التاريخي ويسبر غور تفاصيل الحياة ويصبح اليوم أحد أهم الشواهد على تاريخ المنطقة منذ القدم ومنذ أن علت مآذن حرتا حي على الفلاح ....
بنظرة ثاقبة من المهنس علاء الفطن تجسدت فيها قيمة العطاء نظر بألم على ما حل بمضافة جده قويدر العبيدات نتيجة عوامل الطقس، ومن ناح أخر العيش بعيداً بالغربة فتاهت به الأيام ليجد نفسهه قد علق بين براثن الزمن فالشيب وأن اشتعل إلا أن الاماني وتحقيق الحلم لا وقت له ، فكرر النظر وشاح بوجهه بعيداً عبر محطات الحياة فعرج على مداميك الزمن قبيل ان يفصح بما جال في الخاطر، فكان التصميم ومعه الإرادة وهو يستعين بخبير بالبناء فهمس بإذنه بأن صلابة هذه المباني هي من صلابة اهلها اللذين نكروا الذات يوماً لصالح الوطن، ودلالة على ذلك انها تحمينا اليوم من البرد والحر والأمطار وصاحب المضافة ومؤسسها قد ساهم ببناء وطن وأسس المداميك الأولى حينما كانت مضافته مقراً وطنياً لكل الباحثين عن الحرية والمجد والعلا .
ونظراً لأهمية الحفاظ على الإرث التاريخي للمضافة والمحافظة على عمقها التاريخي، لتكون الفكرة واقعاً ملموساً بالإستعانة بكل الخبرات والكفاءات وبعيداً عن الكلف المالية والجسدية والنفسية ليعاد البناء لمكان كان أسير الجفاء لأربعة عقود جاءت طريقة البناء بالحجر والطين لمعرفة تفاصيل الزمن القاسي أنذاك .
وما أن هممنا بتفقد المشروع النهضوي على مستوى شمال الأردن كاملاً حتى أنبرى علية القوم لتكون المضافة عامل تفاهم ومودة وتراحم مشترك بينهم جميعاً وليسمع الاحفاد ما اتى به الأباء والاجداد في إعادة توظيف إعمار هذه الأيقونة الفنية ليعود التاريخ مجدداً لصالح بيوت الطين التي تحكي قصة احتواء الإنسان للطبيعة التي حوله، وفي كل مناحي الحياة، فكل المواد المستخدمة كانت من الأرض التي يعيش بها الإنسان في تلك الفترة، بل تطور الموضوع ليتحول إلى علم به العديد من التفاصيل في استخدام المواد الصحيحة ما أدى إلى تطور البناء في تلك الفترة لتبقى هذه المنازل شامخة وشاهدة على تفاصيل تلك الحقبة لتعود قوافل الساسة والباحثين وأساتذة الجامعات ورؤسائها ليتخذوا من هذه المضافة منبراً يحاكي الزمن بكل التفاصيل ولم تكن قوافل التجارة بالمرور بالمكان أهم من قوافل الساسة والمؤرخين وتشكل رؤية وطنية واضحة وتفاصيل انعكست على كل اللذين أموا هذه المضافة يوماً مع آبائهم أو اجداهم لتكون الذكريات على وقع الحدث وتكون الدموع شريكاً لآهات الزمن على كل الحكايات والمواقف والشواهد التاريخية التي ألمت بهذا المكان مما يعزز أهميتها في نقل تراث الأجداد للجيل الناشئ، وتكوين صور أعمق لهم، من خلال عيش التجربة ومعرفة المواد البسيطة المستخدمة في بناء المنازل التي عاش بها أجدادهم، حيث تفاعلوا بشكل جيد مع الورشة وأظهروا فضولاً في معرفة تفاصيل أكبر عن تلك الحقبة .
المهندس علاء مع ثله امنت بوطنها أعادوا للمكان هيبته وعنفوانه بعد قرن من هول الاحداث جعلوا المضافة عامرة بمن ورثها عن الأجداد، لكنها وإن صبغت بمسحة من الحياة المعاصرة ، وزودت بالكهرباء والماء، وبعض الأجهزة الحديثة لم تستطع الصمود أمام حداثة البناء وزخرفاته، فتهاوت شيئا فشيئا إلى أن أصبحت أطلالاً هنالك في حرتا تعيد كل من يشاهدها إلى زمن البساطة والصفاء، الذي تلاشى مع إيقاع الحياة المتسارع.
المهندس علاء عبيدات شكراً بحجم السماء لمن جعل من المضافة المنارة السياسية التاريخية في حرتا وجسدها مزاراً ثقافياً وتراثياً ....