في اللقاء السنوي على أعتاب عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الميلادية يوم أمس الأربعاء 20/12/2023 في قصر الحسينية العامر، استقبل صاحب الجلالة الهاشمية جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين المعظم قيادات دينية مسيحية وإسلامية من القدس وعمان في لقاء أجمل ما يوصف به بأنه لقاء يجسِّدُ أعمق معاني التلاحم والأخوة الإسلامية- المسيحية وقيم العيش المشترك والوحدة الوطنية التي تجمع أبناء الوطن والأمة بشقيها الإسلامي والمسيحي في وحدة حال وتواصل وتعاون من أجل تعزيز البناء على القيم الدينية والإنسانية النبيلة التي تجمعنا جميعاً في هذا البيت الإنساني المشترك وهذا الوطن الأغر، الذي لا وطن لنا سواه، فواجب خدمته والحرص عليه والدفاع عنه واجب مقدس وعقيدة ثابتة راسخة في قلب كل أردني شريف.
يأتي هذا اللقاء هذا العام في ظروف حساسة ودقيقة وسط العدوان الغاشم على أهلنا في غزة واستمرار آلة الحرب المدّمرة التي حصدت أرواح ما ناهز العشرين ألف شهيد علاوة على الألوف المؤلفة من الجرحى والمفقودين تحت الأنقاض. وفي الوقت ذاته هنالك التصعيد الخطير في الضفة الغربية والإنتهاكات المستمرة على المقدسات في القدس الشريف والتضييقات على حرية العبادة وحرية الوصول إلى هذه الأماكن المقدسة، وتعالي أصوات التهجير القسري وتصفية القضية الفلسطينية. فإضافة إلى الدور الكبير الذي يقوم به الأردن بقيادته الحكيمة محلياً وعالمياً في الدعوة لوقف الحرب وإيصال المساعدات بشكل مستدام وفتح مسار سياسي يفضي إلى حل الدولتين، ها هو صاحب الجلالة الهاشمية يشدّد في هذا اللقاء الهام على ضرورة "الوقوف متحدين" في الدفاع عن المقدسات الإسلامية والمسيحية بالقدس.
لم يأت هذه التشديد من فراغ، فأخطر ما يتهدد مستقبل القضية الفلسطينية ومستقبل المقدسات هو الفرقة والإنقسام، فهناك الطابور الخامس وهناك السموم الكثيرة التي تُدّس عبر منصات وسائل التواصل الإجتماعي في محاولة لشق الصف الواحد والعبث بالنسيج المجتمعي وخلق فتن دينية وطائفية وإقليمية، هدفها تحييد البصر عن جوهر الصراع العربي الإسرائيلي المتمثل في الإحتلال الجاثم على صدورنا والإنتهاكات بحق عروبة القدس ومقدساتها وواقعها وحرية العبادة فيها وتغيير واقعها الديموغرافي والوضع التاريخي والقانوني القائم فيها.
لذلك، فإن تشديد دعوة جلالة الملك أمام القيادات الدينية الإٍسلامية والمسيحية تنبع من أهمية الوقوف متحدين معاً ليرى العالم بوضوح أن جوهر الصراع هو صراع سياسي وليس صراعا دينيا، ومن الخطر أن نحّول الصراع إلى صراع ديني والبحث عن تبريرات وتؤيلات وقراءات اسخاتالوجية سياسية للنصوص الدينية. فلا بد إذا من تضافر كل الجهود معاً السياسية والديبلوماسية والدينية والمجتمعية للوقوف متحدين معا يداً واحدة وعلى كل الأصعدة، لمنع أي إنزلاق لنزاعات وحروب دينية-لا سمح الله، ودعم كل الجهود السياسية والديبلوماسية التي يقودها الأردن بقيادة صاحب الجلالة المعظم لإنهاء الصراع على أساس السلام العادل والشامل وحل الدولتين والذي يفضي إلى إعادة الأمن والإستقرار في المنطقة والعالم.