أقول هنا كمحامي دولي ومراقب هناك شيء غريب يعيشه العالم وهو أن هناك دولة مصطنعة كانت قد ولدت من العدم عام 1948 أصطلح مخترعيها على تسميتها "بدولة" إسرائيل، هذه الدويلة ألتى تقودها مجموعة من مجريمي الحرب وعلى رأسهم النتن ياهو هي اليوم تكثف حملتها الدولية لمنع محاكمتها في محكمة العدل الدولية في لاهاي، وكانت إسرائيل قد عينت البروفيسور مالكولم شو لكي يمثلها في لاهاي وهو خبير بريطاني في القانون الدولي، ويعد أحد أبرز الخبراء في العالم في مجال القانون الدولي، بما في ذلك النزاعات الإقليمية والقانون البحري وحقوق الإنسان، وتربط "شو" بإسرائيل علاقات وثيقة جدأ ويقوم بزيارتها مرة في السنة، حيث يقدم دورة خاصة في القانون الدولي في الجامعة العبرية بالقدس، والشكوى تشمل في بنودها تصريحات مسؤوليين إسرائيليين وتهديداتهم لقطاع غزة، وفي وقت تبذل فيه إسرائيل جهوداً حثيثة لتحريك ملف الرهائن لدى حركة المقاومة الإسلامية حماس، وعند وصول وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن للمنطقة كثفت وزارة الخارجية الإسرائيلية ومتخصصون في القانون الدولي الجهود الدولية حتى موعد الجلسة الأولى لمحكمة العدل الدولية في لاهاي يوم الخميس القادم لبحث الشكوى ألتي قدمتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل، إذ تتهمها بأرتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وتطهير عرقي ضد سكان غزة وخرق صارخ لهذه الأتفاقية الصادرة في عام 1948، في محاولة لمنع إدانتها بالتهم الموجهة ضدها، وتأتي هذه الجهود ضمن خطة وضعتها الدول العبرية تسعى من خلال سفاراتها وقنصلياتها في مختلف أنحاء العالم برفقة متخصصي قانون إسرائيليين ودوليين لتجنيد المجتمع الدولي إلى جانبها في حرب غزة، كحرب فرضت عليها بعد الهجوم الذي تعرض له سكان الجنوب وغلاف غزة في السابع من تشرين أول/أكتوبر الماضي، المبادرة ألتى أقدمت عليها دولة جنوب أفريقيا إعتبرتها إسرائيل مؤامرة ضدها بالتنسيق مع الفلسطينيين، وعلى رغم أن إسرائيل رفضت طوال الوقت الإنضمام إلى المحكمة الدولية، فإنها حاولت أن تجعل من لائحة الدفاع عن نفسها إدانة وهجوماً على الفلسطينيين، وفي حملتها الدولية لمنع أية دولة من دعم الشكوى أو المبادرة لرفع دعوى إلى جانب جنوب أفريقيا من شأنها إدانة إسرائيل، أعتبرت إسرائيل أحداث السابع من تشرين أول/أكتوبر خطة مدروسة ومتقنة للقضاء على الدولة وتنفيذ القتل الجماعي ضد سكان بلدات الجنوب وغلاف غزة، والدعوى ألتي تشمل في بنودها تصريحات مسؤولين إسرائيليين وتهديداتهم لغزة وسكانها تتطرق إلى مختلف الخطط ألتى عرضها وزراء اليمين لترحيل فلسطينيي غزة ومحو القطاع وتسوية كل مناطقه مع الأرض بحيث تصبح غزة صحراء لا يصلح السكن فيها، وكذا الخطط المطروحة لإحتلال غزة وإقامة مستوطنات إلى جانب منع إدخال المساعدات الإنسانية واستخدام السكان كدرع للضغط على حماس، والقبول بشروط إسرائيل بما في ذلك صفقة تضمن إعادة جميع الرهائن في غزة، وفي خطتها لتجنيد المجتمع الدولي تسعى إسرائيل إلى الإقناع بأن كل ما تتضمنه شكوى دولة جنوب أفريقيا تعتمد على تصريحات مسؤولين فيما العمليات ألتى تنفذها هي خطوات ضرورية ومهمة للدفاع عن نفسها ومواجهة خطة إبادتها، وبأنها تفعل كل شيء لمنع المس بالأبرياء وأنها تدخل بأنتظام مساعدة إنسانية إلى القطاع ولا تعمل إلا ضد حركة حماس، بحسب مطلعين على لائحة الدفاع ألتي تعدها إسرائيل، كما تشمل الدعوى عدداً كبيراً من وزراء ومسؤولين، بينها تصريح وزير التراث عميحاي إلياهو الذي لم يستبعد في إحدى مقابلاته إمكانية إسقاط قنبلة ذرية على قطاع غزة، والوزير آفي ديختر وعضو الكنيست أريئيل كيلنر، اللذين تحدثا عن تكرار النكبة بصيغة 2023، كما أشير إلى تصريحات نيسيم فاتوري، نائب رئيس الكنيست وعضو لجنة الخارجية والأمن ألتي تدل على نية إسرائيل إرتكاب إبادة جماعية، والذي كتب على منصة إكس بعد السابع من تشرين أول/ أكتوبر " لدينا جميعاً هدف مشترك الآن، وهو محو قطاع غزة عن وجه الأرض"، كما تشمل الدعوى تصريحات النواب تالي غوتليب وأفيغدور ليبرمان وغاليت ديستل أطبريان، فقد كتبت غوتليب، فلتحترق قريتكم ..! نعم، نعم، بالنسبة إليَّ، من الجيد أن نتمنى محو غزة وإشعال النار فيها، وكتبت ديستل أطبريان، " استثمروا طاقتكم في شيء واحد، وهو محو غزة بأكملها من على وجه الأرض، فليطير وحوش غزة إلى السياج الجنوبي ويهربوا إلى مصر أو يموتوا بشدة، غزة يجب أن تمحى"، وكتب ليبرمان لا يوجد أبرياء في غزة، ولا تبني دعوى جنوب أفريقيا مزاعمها ضد إسرائيل على الساسة فحسب، بل أيضاً على الضباط والجنود، ومن بين الأمثلة مقطع فيديو منشور على منصة إكس للكاتب وجندي الإحتياط عزرا يخين، الذي قال في شريط مصور، " اقضوا عليهم قدر الإمكان، لا تتركوا لهم أي أثر، لا لهم ولا لأمهم ولا لبناتهم ولا لأطفالهم، يمنع السماح بالعيش لهؤلاء الحيوانات"، كما دللت جنوب أفريقيا على نية إسرائيل تنفيذ إبادة جماعية باستعراض أقوال جاءت على لسان رئيس مجلس الأمن القومي السابق واللواء احتياط غيورا أيلاند ضد إعادة إعمار غزة ونقل المساعدات إليها، ولم تقتصر الدعوى المقدمة إلى محكمة العدل الدولية على هؤلاء فقط، فقد تم تخصيص قسم فرعي قصير لـ خطاب الإبادة الجماعية في المجتمع الإسرائيلي الذي يظهر في وسائل الإعلام وفقاً للدعوى القضائية، وتذكر الدعوى المغني إيال جولان الذي دعا في مقابلة إلى مسح غزة وعدم ترك شخص واحد هناك، والمغني كوبي بيرتس الذي ورد ذكره في فيديو منشور على مواقع التواصل الإجتماعي وهو يغني " فلتحرق قريتهم، فليتم محو غزة "، وأشير أيضاً إلى المعلق إلياهو يوسيان، وهو إسرائيلي من مواليد إيران، خدم في الوحدة 8200 ومعروف بآرائه المتطرفة، الذي قال في مقابلة تم إقتباسها في الدعوى، لا يوجد سكان في غزة، هناك 2.5 مليون إرهابي، وفي حملتها تعتمد إسرائيل على السفارات والقنصليات ألتى يرافقها محامون متخصصون بالقانون الدولي وقوانين الحرب للدفاع عنها وما تتضمنه لائحة الدفاع في التهم الموجهة ضدها، وقد أصدرت وزارة الخارجية تعليمات خاصة للسفارات في كيفية الترويج لصالح إسرائيل بإعتبارها الضحية لـ حماس ومختلف أعدائها الذين يريدون "إبادتها"، وبالضغط على الدبلوماسيين والسياسيين في البلدان المضيفة لإصدار بيانات ضد قضية جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وتشمل تعليمات السفارات خطة العمل الدبلوماسية الإسرائيلية قبل جلسة المحكمة، وهي ممارسة ضغط دولي على المحكمة لعدم إصدار أمر قضائي يأمر إسرائيل بتعليق حملتها العسكرية في غزة، وفي المرحلة الأولى من إجراءات المحكمة في لاهاي، وفق ما نقلت صحيفة هآرتس عن خبراء قانون ومطلعين على سير إجراءات القضية، سيسعى شو إلى إصدار أمر قضائي موقت معلن يأمر إسرائيل بوقف القتال في غزة، وإذا أصدر القضاة مثل هذا الأمر، فإن الهيئة المكونة من 15 قاضياً وألتي يمكنها نظرياً تنفيذه هي مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من خلال العقوبات الدولية، ومع ذلك تتمتع الولايات المتحدة الأمريكية بحق النقض الفيتو في المجلس، ومن المتوقع أن تمنع مثل هذا التطور بطريقه أو بأخرى، تضيف هآرتس ، من شأن مثل هذا الأمر الموقت أن يعزز الأدعاء بأن إسرائيل أرتكبت إبادة جماعية في غزة، مما يتسبب في عزلتها السياسية ومقاطعتها، وفرض عقوبات عليها أو على الشركات الإسرائيلية، وعقوبات إضافية في الساحة الدولية، ويتعين على "شو" إقناع محكمة لاهاي بأن إجراءات إسرائيل الحربية لا تتوافق مع نية إرتكاب إبادة جماعية، فمثلاً من المتوقع أن يدعي أن إسرائيل تعمل للدفاع عن نفسها، وأن إجراءاتها تمتثل لقوانين الحرب الدولية، وأنها تحقق في الإنحرافات عنها، وتضيف سيتعين على شو أيضاً أن يظهر أن تصريحات كبار المسؤولين الإسرائيليين مثل يجب محو غزة و لا يوجد أبرياء في غزة ويجب تسوية غزة بالأرض لا علاقة لها بسياسة إسرائيل الحقيقية وما يتم القيام به على أرض الواقع، وهناك تحذير من أن هناك خطراً حقيقياً من أن تصدر المحكمة قراراً يأمر إسرائيل بوقف فوري لإطلاق النار في قطاع غزة، تدعي فيه إسرائيل بأنها ملتزمة بأحكام هذه المحكمة، كونها إحدى الدول الموقعة على إتفاقية مناهضة الإبادة الجماعية والصادرة عام 1948، والأردن من أوائل الدول العربية الموقعة على هذه الأتفاقية بالإضافة 133دولة، ألتي بموجبها تستمد محكمة العدل الدولية في لاهاي, ألتى تتعامل مع النزاعات القانونية بين الدول، سلطتها للنظر في الألتماس، وفي الوقت الذي تتقدم فيه دولة جنوب إفريقيا بدعوى قضائية ضد إسرائيل في المحكمة الجنائية الدولية، لم أسمع إلا الأردن وعلى لسان عميد الدبلوماسية الأردني السيد أيمن الصفدي أن الأردن يدعم الدعوى ألتي رفعتها دولة جنوب أفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية بتهمة الإبادة الجماعية، وخرق صارخ منع جريمة الإبادة الجماعية للعام 1948، وقال عميد الدبلوماسية الأردنية الدبلوماسي المخضرم السيد أيمن الصفدي أن الجهد الأردني أنطلق مكثفاً وواضحاً وصريحاً بتوجيه ومتابعة من جلالة الملك عبدالله الثاني حفظه الله ورعاه وبناءاً على الأسس ألتي وضعها جلالته " لوقف العدوان وحماية أهلنا في فلسطين وتعرية الممارسات الإسرائيلية اللاإنسانية واللاشرعية ألتي وصلت إلى حد جرائم حرب على قطاع غزة".
وأن وزارة الخارجية الأردنية هذا الصرح الدبلوماسي الكبير تعمل على إعداد الملف القانوني اللازم لمتابعة ذلك، والتنسيق مع الدول العربية والإسلامية الشقيقة، وهذا الموقف للأردن بدعم الدعوى هو موقفاً متقدماً جدأ للوقوف إلى جانب أهلنا في فلسطين وقطاع غزة.