يعتبر الحاج سعود الهريشات (أبو هيثم) الذي انتقل إلى رحمة الله مساء الثلاثاء ، أحد أعلام التربية والتعليم في الطفيلة من الرعيل الأول القديم مواليد الطفيلة عام ( ١٩٣٨) ، وهو من المعلمين القدامى في قرية الطفيلة آنذاك ، حيث عين معلما عام (١٩٥٣)، في مدرسة الطفيلة الابتدائية (دور الباشا سابقا ) وكان مديرها الراحل عبدالله العطيوي- رحمه الله- كما درس في مدارس عيمة ودويخلة والنمتة لفترة طويلة ، حيث كان يذهب مشيا على الأقدام ذهابا وايابا ، وفق الدكتور عبدالرحمن السفاسفة ، ومن البارين لزملائه و الصادقين لرفقائه والأوفياء لإصحابه وفق ما صرح به الأستاذ علي مقبل الهلول ابو حاتم شفاه الله لي خلال مشاركته في تشييع جثمانه في مسجد جابر الأنصاري اليوم الأربعاء بعد صلاة الظهر .
عاصر مدراء مدارس سيف العطيوي وسلامة العودات وفؤاد العوران (مديرتربية) رحمهم الله ، كما كان زميلا للأستاذ عبدالمهدي العدينات شفاه الله في المدرسة الإبتدائية في الخمسينات والستينات ، كنت اتردد عليه لسؤاله والاستفسار منه عن قامات الرعيل القديم الذين عاصرهم وغادروا إلى رحمة الله ، فقد كان يثني عليهم خيرا ويشيد في مناقبهم، وكان يدعوني لأخذ المعلومة من الأستاذ عبدالمهدي العدينات ، فأرد عليه أنني كنت عنده قبل القدوم لك ولكنه أصبح يعاني من المرض .
كما يعتبر من المدراء المخضرمين، فقد كان مديرا للمدرسة الإبتدائية والدباغ سابقا ثم رئيسا لقسم اللوازم في المديرية . ويعتبر من التربويين الحازمين، فليس صلبا فيكسر ولا لينا فيعصر ، ويعرف من أين تأكل الكتف، فهو على درجة عالية من البصيرة والحكمة والشدة حسب ما يقتضيه الموقف والمصلحة العامة .
كما يعتبر من المواظبين على أداء الصلوات المفروضة في المسجد حتى قبل وفاته ، حيث كنت أشاهده يذهب إلى مسجد جابر الأنصاري في منطقة البقيع/ الطفيلة مشيا على الأقدام قبل ساعتين من موعد الصلاة رغم مرضه وكبر سنه ، حيث يمضي معظم وقته في قراءة القرآن الكريم في المسجد .
كان مرجعية لمعلمي المدارس التي كان فيها مديرا ؛ لخبرته الواسعة التي تزخر بالمعرفة والثقافة في المجال التعليمي و الإجتماعي ، فهو الأب التربوي للطلبة و الأب التعليمي للمعلمين ، حيث كان ينظر له كالأب في المدرسة ، و خارجها لما يتمتع به من خبرة غنية في المجالين التربوي والإجتماعي وإصلاح ذات البين .
يصف البعض الراحل - رحمه الله - بأنه ذكي، و حاذق ، تميزه بالرزانة و الدقة أثناء عمله معلما و مديرا قبل عقود ، فقد كان مدير مدرسة على درجة عالية من الحكمة والبصيرة و الدراية و إلمامه بأساسيات أدب الحوار و النقاش ، خصوصا أنه أمتلك شخصية على مستوى عال من الثقافة أهلته أن يكون من الذين استطاعوا إثبات قدرته على قيادة العملية التعليمية في مدرسته بكل جدارة و استحقاق .
كان يُضرب به المثل في إدارته الحكيمة في إدارته التربوية للمدارس التي عين فيها مديرا ، فقد كان- رحمه الله -ملتزما بعمله في إدارة المدارس التي أدارها و أحبها واحبته لا يغادرها إلا عند الضرورة ، فقد كان يقوم بعمله كما ينبغي .
كان علما معروفا في حكمته و بصيرته حيث يعتبر أحد أبرز أعمدة عشيرة البحرات / الطفيلة و أحد أبرز رجالات التربية القدامى الذين تميز بهدوء طبعه وحسن أسلوبه وبشاشة وجه ورقي أخلاقه وفق ما نقل عنه بشهادة أحد طلبته ممن تتلمذوا على يديه .
تتلمذ على يديه آلاف الطلبة من قطاعات شتى أصبحوا فيما بعد مسؤولين و معلمين و قيادات تربوية ، فقد اتصف بأنه شديد في الحق لين في المعاملة ، كما اتصف بالكرم و الجود ، حيث أمتلك خبرة كبيرة في التعامل مع طلبته ومجتمعه لا يضيع الحق عنده ، علاوة على أنه من المواظبين على أداء العبادات في المسجد وقراءة القرآن الكريم والكتب الدينية وكتب الحديث الشريف .
ديمقراطي في تعامله يعامل طلبته ومجتمعه على مسافة واحدة لا يميز بين أحدا من الناس، إلا أنه يقف مع صاحب الحق حتى يحصل على حقه ، فقد كان شديدا في قول الحق لا يحب الإعوجاج و لا يخشى في الله لومة لائم ، مبتسم عند الحديث معه تشعر بالوقار و الهيبة عند مجالسته ، وفق الأستاذ أحمد السهارين اطال الله عمره في الخير .
رجل تربوي مخضرم ، تشهد له ميادين التربية والتعليم في الطفيلة خاصةً أنه قدوة يحتذى في الإخلاص والتفاني ، يتميز في فهمه للرسالة الحقيقية لصاحب العلم ، فقد كان حكيما في أسلوب إعطائه وتقديمه للمعلومة وفق الدكتور عبدالرحمن السفاسفة أطال الله عمره في الخير .
فقد فارقت الدنيا بعد مسيرة عطاء مليئة بالإنجازات ، ومشوار حياة في السلك التعليمي والعمل التربوي والاجتماعي، تاركاً سيرة عطرة، وذكرى طيبة، وروحاً نقية، وعبق أريج نرجسية، وإرثًا من القيم والمثل النبيلة.
نسأل الله لك المغفرة يا أبا هيثم ، والرحمة ، والعفو ، وجزاك الله خيرا على ما قدمته لمحافظة الطفيلة والمحافظات الأخرى من علم وإصلاح ذات البين .