أصدرت محكمة العدل الدولية اليوم قراراً من ستة بنود : إلزام "إسرائيل" بإتخاذ كافة التدابير لوقف قتل الفلسطينيين، ومنع إيقاع ضرر جسدي أو عقلي جسيم بحقهم، وقف أي إجراءات محسوبة للتسبب بفنائهم أو فناء جزء منهم (التصويت : 15 مقابل 2)، وإلزام الجيش "الإسرائيلي" بنفس البنود السابقة وبشكل فوري (15-2)، منع تحريض المسؤولين " الإسرائيليين " على الإبادة الجماعية ومعاقبة المحرضين (16-1)، توفير الخدمات الأساسية والمساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة (16-1)، إمتناع " إسرائيل " عن تدمير أي أدلة على إرتكابها الإبادة الجماعية (15-2)، تقديم تقرير خلال شهر حول تطبيق الإجراءات الواردة في قرار المحكمة (15-2).
وفيما يلي قراءة أولية في القرار الإبتدائي الصادر اليوم :
أولاً : القرار إفتتح بإجتزاء للصراع بإعتباره يبدأ من السابع من تشرين أول/ أكتوبر الماضي فقط دون النظر للإحتلال كأساس، ومن مطالبة المــقـاومة بالإفراج الفوري عن الأسرى الصهاينة لديها واعتبارهم رهائن، وهو لا يغادر في الإطار العام طغيان الرواية الإستعمارية للصراع.
ثانياً : من حيث المبدأ يشكل القرار تقويضاً عميقاً لشرعية الكيان الصهيوني الوجودية، بإعتباره "وطناً قومياً" لمجموعة تعرضت لإبادة جماعية، فها هو هذا الكيان بذاته تتخذ بحقه إجراءات إحترازية ضد إرتكابه الإبادة الجماعية، وهذا لا بد من البناء عليه وتعزيزه في جهد شعبي عالمي لنزع المشروعية عن الصهيونية كأيديولوجيا إستعمارية إحلالية.
ثالثاً : القرار ينص ضمناً على وقف إطلاق النار لكنه يتجنب الإشارة له بمصطلح سياسي صريح كما طلبت دولة جنوب إفريقيا في الدعوى، فالأمتناع عن قتل أي فلسطيني والأمتناع عن التسبب بأي أذى جسدي أو نفسي وإلزام الجيش "الإسرائيلي" بذلك مع طلب التوفير الفوري للخدمات الأساسية والمساعدات يعني الأمر بوقف إطلاق نار فوري بما يشمل كسر الحصار، وهذا التفسير الذي ينبغي تبنيه من المــقــاومة وعربياً وإسلامياً، لأن عدم النص على وقف إطلاق النار يهدف إلى ترك باب التفسيرات المتناقضة مفتوحاً.
رابعاً : رفضت محكمة العدل الدولية الموقف "الإسرائيلي" الذي طلب رفض القضية وإلغاءها من السجل العام، ودفَع بعدم إختصاص المحكمة، وبالمقابل إستجاب قرارها لستة من أصل تسعة إجراءات إحترازية مؤقتة طلبتها جنوب إفريقيا في الفقرة 144 من مطالعتها القانونية.
خامساً : القرار صدر بشكل أقرب إلى الإجماع بواقع 15مقابل 2 أو 16 مقابل 1 ما يعني أن هناك إجماعاً دولياً على وجود نية الإبادة لدى "إسرائيل" في حربها على غزة.
سادساً : القاضية الأمريكية والقاضي الفرنسي والقاضي الألماني صوتوا مع القرار بخلاف الموقف المعلن لدولهم، وهذا مؤشر قد يشكل رسالة من تلك الدول على عدم إستعدادها للمخاطرة بتقويض النظام القضائي الدولي الذي أقامته لأستدامة نفوذها، وإن كانت الولايات المتحدة الأمريكية ستناور على تفسير القرار بوصفه لا يدعو صراحة لوقف الحرب.
سابعاً : القاضي "الإسرائيلي" المعين لهذه القضية أهارون باراك خالف الموقف القانوني لحكومته والذي يرفض إختصاص المحكمة في هذه الدعوى من الأساس، وأنها تخاطر بتقويض مشروعية "إسرائيل" حين تعرضها لإجراءات إحترازية مؤقتة أو وقائية بناءاً على إتفاقية منع الإبادة الجماعية، وألتي تراها أنها وجدت لحماية اليهود أنفسهم، فقد صوت القاضي الإسرائيلي باراك مع القرار في بندَي منع التحريض وتوفير الخدمات الأساسية والمساعدات، أي أنه منح المشروعية لإختصاص المحكمة وفق إتفاقية الإبادة الجماعية في المبدأ.
ثامناً : القاضية ألتى صوتت ضد كل بنود القرار هي القاضية الأوغندية جوليا سابوتندي بما في ذلك البندين اللذين أيدهما القاضي "الإسرائيلي"، وهو ما يذكرنا بمحاججة هرتزل في المؤتمر الصهيوني السادس عام 1903 حينما تبنى قبول الإستيطان في أوغندا كمقدمة لفلسطين بإعتبار أوغندا ستكون المستعمرة وفلسطين ستكون "الدولة الأصلية".