في عام 2017 بدأت روسيا مفاوضات مع السودان للحصول على قاعدة عسكرية في بورتسودان، ولكن الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير في 2019 أحبطت المخططات الروسية، لكن موسكو لم تتخلى عن خططها في الحصول على قاعدة عسكرية تثبت بها وجودها في القارة السمراء، وتحقق الحلم المؤجل من 2017 في 2024 بحصولها على قاعدة في إفريقيا الوسطى.
ويرى محللون أن الخطوة تساعد موسكو على مد نفوذها في القارة من جانب، ومن جانب آخر تعمل على حماية الاستثمارات التي تعمل على ضخها في بعض دول القارة التي شهدت تراجع للنفوذ الفرنسي فيها، وتحاول روسيا أن تضع أقدامها مكان الفرنسيين.
تفاصيل القاعدة العسكرية
كشفت صحيفة "موند أفريك"، الخميس، أن حكومة أفريقيا الوسطى خصصت أرضا في بيرينغو، على بعد حوالي 80 كيلومترا من العاصمة بانغي، لروسيا لإنشاء قاعدة عسكرية تستضيف قرابة 10 آلاف جندي.
ومع إقامة هذه القاعدة في وسط القارة، سيكون لدى القوات الروسية القدرة على مراقبة ما يحدث في غرب أفريقيا والشرق والشمال والجنوب على مسافة متساوية تقريبا بين الشمال والجنوب وبسرعة أكبر من الشرق إلى الجنوب.
المسافة بين بانغي وجوهانسبرغ أقل من 3540 كيلومترا، تبلغ المسافة الجغرافية (الطريق الجوي) بين بانغي وطرابلس في ليبيا حوالي 3220 كيلومترا، والمسافة بين بانغي وجيبوتي شرقاً هي نحو 2830 كيلومترا، وبالتالي، سيتمكن الجيش الروسي من الوصول بسرعة إلى النقاط الساخنة في أفريقيا وشبه الجزيرة العربية، نظرا لأن الطائرات المقاتلة الأسرع من الصوت يمكنها التحليق بسرعة تزيد عن 1000 ميل في الساعة.
ووصفت الصحيفة رئيس جمهورية أفريقيا الوسطى، فاوستين آركانغ تواديرا بأنه "مؤيد متحمس لروسيا"، ويتخذ من قوات فاغنر حرسا شخصيا له.
الشهر الماضي، أعلن مستشار الرئاسة لجمهورية أفريقيا الوسطى، فيديل نغوانديكا عن استعداد بلاده لاستضافة قاعدة عسكرية روسية على أراضيها، قائلا إن "غرض وجود العسكريين الروس في أفريقيا الوسطى هو تدريب جنودنا. ونحن مع روسيا 1000% ونعتقد أن روسيا يجب أن تبقى معنا".حماية الاستثمارات
المحللة السياسية الروسية نغم كباس، ترى في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية"، أنه من الطبيعي أن توافق أفريقيا الوسطى على منح روسيا قاعدة عسكرية على بعد 80 كيلومترا من العاصمة بانغي بعد خروج أخر جندي فرنسي من البلاد، وكان لابد من قوات بديلة للجيش الفرنسي تكون أهلا للثقة وهو ما تراه بانغي في روسيا.
روسيا ساعدت أفريقيا على تحرير 90% من أراضيها من سيطرة الجماعات المسلحة، بينما كانت فرنسا والدول الغربية في موقف المتفرج بينما سعت العصابات المسلحة فسادا وتخريبا وقتلا.
حاولت الدول الغربية الإبقاء على حالة الانفصال فيها من أجل العمل على نهب ثروات البلاد وعدم حدوث تنمية حقيقية.
روسيا ساعدت من خلال شركاتها ورجال الأعمال بحدوث تنمية اقتصادية، وأرسلت القمح ومواد غذائية مجانا لبعض الدول لإرساء حسن النية في التعامل مع الدول الأفريقية.
يتم حاليا نقل التعاون من مرحلة السياسة والاقتصاد إلى مرحلة التعاون العسكري، وهذا يتوافق مع القانون الدولي بموافقة البلدين على وجود هذه القاعدة العسكرية.
روسيا تحتاج إلى هذه القاعدة لأنها تحد من الهيمنة الغربية على تلك الدول مع زيادة الاستثمارات الروسية في منطقة وهي بدورها تحتاج إلى حماية عسكرية خوفا من العصابات المسلحة أو المحاولات الغربية لإعادة السيطرة على ثروات تلك الدول.
تثبيت الوجود الروسي في قارة أفريقيا الغنية بالموارد والثروات، ومن جهة اخرى مفيد للدول الأفريقية التي وجدت في روسيا شريك وصديق وحسن نية في التعامل، وهو ما أكسب موسكو ود هذه الدول.
هذه الثقة التي ستبنى عليها العلاقات القادمة ستمكن روسيا من إرسال منتجاتها الزراعية لتلك الدول، ونقل التكنولوجيا الزراعية وتحلية المياه ومحاربة الإرهاب.
علاقات قوية
الخبير في الشؤون الأفريقية، تشارلز أسيجبو، يقول إن روسيا وجدت ضالتها أخيرا في أفريقيا الوسطى التي وافقت على منح روسيا قاعدة عسكرية في منتصف القارة، حيث تتمتع موسكو وبانغي بعلاقات قوية نسج خطوطها مقاتلو مجموعة فاغنر الذين قاتلوا إلى جانب الحكومة من أجل بسط سيطرتها على كثير من المناطق التي كانت تحت سيطرة المتمردين، وبدأت البلاد تعود شيئا فشئ إلى الحياة الطبيعية مع تراجع حدة هجمات المتمردين.
وأضاف أسيجبو، لموقع "سكاي نيوز عربية"، أن مساعدة فاغنر لبانغي ساهمت في تقوية العلاقات مع روسيا، ومثلت بانغي قاعدة توسع لفاغنر في القارة حيث وسعت نفوذها نحو مالي وبوركينا فاسو وحتى السودان وليبيا، والآن يتم شرعنة هذا الوجود الروسي في شكل قاعدة عسكرية تستضيف 10 آلاف جندي روسي".
وأشار موسكو تريد تقوية عودتها للقارة مرة أخرى بوجود قوات عسكرية إلى جانب الاستثمارات التي تضخها موسكو والمساعدات التي تقدمها لدول القارة، حيث يوجد عدة خطط للتوسع الروسي في دول جوار أفريقيا الوسطى ولاسيما مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وهي دول تخلصت من النفوذ الفرنسي، وبالتالي تجد موسكو الساحة مهيأة لاستقبالها بحكم عدم وجود ماضي استعماري لها في القارة.
ويرى أن حصول موسكو على قاعدة في بانغي يمنحها فرصة جديدة بعد فشل حصولها على قاعدة في ميناء بورتسودان على البحر الاحمر، خاصة بعد توقيع اتفاقية مع الحكومة السودانية، ولكن الوضع المضطرب في السودان أفشل الخطط الروسية، وبالتالي فقاعدة أفريقيا الوسطى قريبة من أماكن النفوذ الروسي المتنامي في وسط القارة ومنطقة الساحل.