يعيش البيئيون هذه الأيام لحظات عصيبة، فهم يشاهدون الإبادة الجماعية المتواصلة في قطاع غزة، ويتوقفون عند أرقامها، ويتألمون لضحاياها، ويتملكهم الأسى على أطفالها، ويصابون بالحيرة من الطريقة المثلى التي يتضامنون فيها مع غزة: إنسانها المستهدف، وبيئتها المحروقة، وبيوتها المستباحة. ويطرحون على أنفسهم أسئلة عديدة تبدو صعبة.
فما الذي يعنيه لنا نحن الذين نحب البيئة ونروج لحمايتها عندما نقرأ الحصيلة الثقيلة لأول 100 يوم للعدوان، وفق المكتب الإعلامي الحكومي ووزارة الصحة؟
وما دلالات (1,993) مجزرة ارتكبها جيش الاحتلال؟ وما معنى (30,843) شهيداً ومفقودا،ً و(337) شهيداً من الطواقم الطبية، و(7,000) مفقود، 70% منهم من الأطفال والنساء، و(60,317) مصاباً؟
وكيف سنتحدث عن (10,000) مريض سرطان يواجهون خطر الموت، ومليوني مليون نازح، و (400,000) مصاب بالأمراض المعدية نتيجة النزوح؟
وكيف سنعالج تداعيات (95) مدرسة وجامعة دمرها الاحتلال بشكل كلي، و(295) بشكل جزئي؟
وما المعالجات والتداعيات المترتبة على تدمير الاحتلال لـ (69,300) وحدة سكنية تدميرا كلياً، و(290,000) وحدة سكنية دمرها الاحتلال جزئيا، و(65,000)
طن من المتفجرات ألقاها الاحتلال على غزة؟ و(200) موقع أثري وتراثي دمرها الاحتلال؟
وكيف لنا مع هذه الأرقام المتصاعدة كل لحظة، أن نتحدث عن خطر زلزال قادم يهدد فلسطين، وما نراه يفوق هزة أرضية بأعلى درجات ريختر؟
وبأي السبل يمكن أن نتحدث عن الاحتباس الحراري والتغير المناخي، وما تشهده غزة يفوق كل خطر وتهديد؟
وبأي قلب ودم سنعالج أخطار حرق النفايات، فيما يجري حرق جماعي للبشر والشجر والحجر عبر شاشات التلفاز ببث مباشر؟
وما الطريقة التي سنحلل فيها تلوث المياه والصرف الصحي، وغزة لا تجد الماء لتخفف ظمأ أطفالها؟
وكيف سنتحدث عن الحال الصحي ونراقب جودة خدماته، ونظام غزة الصحي انهار بغالبيته؟
وكيف سنواكب التربية البيئية في زمن تحولت فيه مدارس غزة الناجية من جحيم القصف لمراكز إيواء؟
وما الطريقة التي سنحث فيها على غرس الأشجار، وزارعي أشجار غزة إما قضوا نحبهم أو ينتظرون الموت في أية لحظة؟
وكيف لنا أن نتحدث عن تلوث الهواء والماء والتربة وغزة تحولت إلى أرض محروقة؟
وبأي السبل سنتحدث عن أخطار حرق الوقود الأحفوري ونروج للطاقة النظيفة، وغزة تعيش ظلاماً دامساً منذ أكثر من ثلاثة أشهر؟
وكيف سنواكب التنوع الحيوي وحماية الأنواع المهددة بالانقراض ونحن نشاهد أباً يعجز عن توفير خيمة ليحمي بها أطفاله من البرد والمطر؟
وبأي الصيغ سنكتب عن المبيدات الكيميائية وأخطارها، ومعدل الإبادة اليومي يتصاعد يوماً بعد يوم؟
وما الشكل الذي سنتحدث فيه عن أخطار الأطعمة المعلبة والرعي الجائر والأصباغ والمواد الحافظة واللحوم المُصعنة، وهناك لحوم بشرية حية تتألم، ولحوم أخرى تكتوي بالنار؟
وكيف سنكتب عن أهداف الألفية الإنمائية 2030 وهناك أطفال وعائلات بأكملها يموتون ببث حي ومباشر؟
ومن أي زاوية سنتحدث عن التعديل الوراثي وأخطاره، وهناك عائلات مُسحت من السجل المدني عن بكرة أبيها، ولن تجد من يرث اسمها؟
وكيف سنكتب عن الذبح الأسود للحيوانات خارج المسالخ، وهناك مذابح بشرية يومية؟
وبأي المقاربات سنلاحق الزحف العمراني على الأراضي الزراعية، ولم يعد هناك عمران ولا أرض لم تكتو بجحيم القذائف؟
وكيف سنحتفل بيوم الشجرة، ويوم البيئة العالمي، واليوم العالمي لمكافحة الجفاف والتصحر، ويوم الطائر العالمي، ولم يبق في غزة أي رقعة إلا وتحولت إلى جحيم بفعل حرب الإبادة؟
وبأي العبارات سنتحدث عن الغذاء وسلامته ويومه الدولي، وهناك مرشحون كثر للموت جوعاً؟