لماذا تنبري حركة فتح للدفاع عن قرارات رئيس سلطة أوسلو محمود عباس المحسوب عليها، ضد انتقادات حماس لها، والذهاب إلى شيطنة الأخيرة دون اعتبار للتأييد الكاسح الذي تحظى به فلسطينياً.
والنتيجة أن حركة فتح التي خسرت قاعدة كبيرة من شعبيتها بسبب ارتباطها العضوي بسياسة السلطة منذ 31 عاماً، تتعرض الآن لحملة انتقادات واسعة عبر الفضاء الرقمي، بسبب هجومها على حركةٍ تتصدّى باقتدار لهجوم كاسح لا تصمد في وجهه دول بجيوشها الجرارة، وكأن اليد التي طرّتها السياسة الانهزامية، ستقاوم مخرز المقاومة القابضة على جمر التحرير.
وتتوالى الأسئلة العاصفة من وحي الردود القاسية على التصريح الفتحاوي الرسمي الذي اعتبره غالبية الفلسطينيين غير لائق:
أين هي مواقف فتح التي تهاجم حماس بشراسة، مِن احتلالِ ما لبث يمارسُ سياسةَ التطهير العرقي بحق الشعب الفلسطيني، ويسلب الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية التي زرعها المحتل الغاشم بالمستوطنات؟ فهل تكفي عبارة "إحمونا" التي أطلقها الرئيس عباس عبر الفضائيات، لردع الاحتلال وخاصة في الضفة الغربية! أم أن دعوته إلى المقاومة السلمية أدت الغرض المنشود! وقد اعتبر اتفاقية التنسيق الأمني مقدسة بينما المقاومة في نظره إرهاباً؛ هل أثمرت جهوده السلمية رغم ما قدم خلالها من تنازلات مذلة في تحريك العالم ضد أبشع احتلال عرفه التاريخ؟ ألم تعوض المقاومة النقص الذي أوجدته أوسلو؟
أين كانت حركةُ فتح بينما قطاع غزة محاصر، وقد أوشك على الاختناق.
ويعلم القاصي والداني بأنه لولا قدرة حماس الاستثنائية على إدارة الموارد المالية والفنية وتوظيف الدعم الشامل الذي حصلت عليه من محور المقاومة (إيران وحزب الله وأنصار الله) إلى جانب الدعم المالي والإعلامي القطري، لما نجحت في بناء قوتها الذاتية المتكاملة التي اعدتها من أجل تغيير معادلة المواجهة مع الاحتلال بحنكة واقتدار.
وذلك منذ فك الارتباط الأحادي الذي جاء بأوامر المجرم شارون عام 2005 حتى السابع من أكتوبر الماضي.
فأين هي حركة فتح التي تحررت من عبء خيار الكفاح المسلح والارتماء في أحضان أوسلو منذ سبتمبر 1993، مِنْ محتلٍ ما زال يبتلع أراضي الضفة الغربية دون رادع، وينتهك الأقصى من قبل قطعان المستوطنين تحت حماية القوى الأمنية الإسرائيلية، فيما يهاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي مدن الضفة الغربية ومخيماتها المستباحة، في الوقت الذي تنكل فيه سلطات السجون الإسرائيلية بالأسرى الفلسطينيين، وعلى رأسهم مروان البرغوثي الذي يمثل شرفاء فتح المتمسكين بالمقاومة.
إنها حركة فتح التي تطالب بحرمان حركة المقاومة حماس، من المشاركة في أية تفاهمات لرأب الصدع الفلسطيني الداخلي، كون الحركة التي يرفع العالم لها القبعات، هي المسؤولة عن عملية طوفان الأقصى المجيدة التي جلبت -وفق الرؤية الفتحاوية- النكبة لأهل غزة، مع أنه من الطبيعي أن يقدم الشعب الفلسطيني التضحيات في حرب ضروس تقودها المقاومة ضد الهجوم الإسرائيلي على غزة عقب ما حدث في السابع من أكتوبر؛ لارتباط ذلك بمحاولة فك الحصار عن غزة وتبييض سجون الاحتلال، كهدفين مباشرين، أما على المدى البعيد فرفع الطغيان عن الفلسطينيين في الضفة الغربية والقدس المحتلة، وتفعيل ملف القضية الفلسطينية دولياً لاستعادة حقوق الشعب الفلسطيني القانونية والتاريخية.
لقد تحقق النصر في أدنى درجاته بما في ذلك ما جرى من تحولات في المواقف العالمية بفعل الضغوط الشعبية وخاصة في الدول الغربية، لصالح القضية الفلسطينية.
وكان من الممكن إرضاخ "إسرائيل" لمطالب حماس بعد أن انكسر جيشها نسبياً وتكبدت خسائر لا تطاق، لولا تلقيها النجدة الطارئة من قبل حلفائها ومن بينهم بعض المتواطئين من العرب والفلسطينيين.
ورغم الضغوطات التي تتعرض لها المقاومة فما زالت تعيد بناء السردية الفلسطينية لتتواءم مع مستقبل يليق بالشعب الفلسطيني الذي أهمله العالم لولا معجزة طوفان الأقصى، التي قلبت الطاولة على رأس الاحتلال حيث فشل في تحقيق أهدافه في غزة ومنها: اجتثاث حماس وتهجير الفلسطينيين وتحرير أسراه لدى القسام، وتنفيذ مؤامرة روابط القرى التي أفشلها بيان العشائر حيث أدرج كل من يشارك فيها في قائمة الخونة.
وبناء على ما تقدم، أليس من حق حماس كحركة مقاومة مجمع عليها أن تنتقد تعيين رئيس وزراء فلسطينيّ جديد من قبل رئيسٍ السلطة، عباس (الفاقد لشرعيته) وذلك قبل تحقيق الوحدة الوطنية الفلسطينية؟
فوفقاً للمادة (34) من النظام الأساسي.فإن مدة رئاسة محمود عباس امتدت بسبب الظروف الطارئة التي اجتاحت الساحة الفلسطينية، لأربع سنوات اخرى بحيث تنتهي في 15 يناير 2013، ولا يمكن تجديد ولايته لأكثر من دورتين، أي أن فترة رئاسته من عام 2013 وحتى تاريخه، غير شرعية، وبالتالي فإن عباس يتصرف بلا شرعية وبلا صلاحيات دستورية، ولا يجد سنداً له في القانون الأساسي، ولكن وجوده يخضع لضرورة إسرائيلية من أجل تسيير شؤون السلطة وهو ما ساعد شق الصف الفلسطيني، ورغم ذلك ظلت حماس تتعامل مع عباس كرئيس شرعي بحنكة.
وهذا يفسر لماذا انتقدت حماس مساء الجمعة الماضية بشدة قرار رئيس السلطة الفسطينية محمود عباس في تعيين محمد مصطفى رئيساً للوزراء. من خلال بيان قالت فيه إن "تعيين حكومة بدون توافق وطني هو خطوة فارغة -بالتأكيد- من المضمون وتعمق الانقسام" بين الفلسطينيين. لكن حركة فتح ردت على انتقادات حماس على الفور بإصدار بيان اتهمت فيه حماس بالتسبب بـ"نكبة أكثر فداحة وقسوة من نكبة العام 1948"، متهمة إياها بأنها "تفاوض الآن إسرائيل وتقدم لها التنازلات تلو التنازلات ولا هدف لها سوى أن تتلقى قياداتها ضمانات لأمنها الشخصي".
وهذا هراء واستخفاف بالدم الفلسطيني ويدل على إفلاسِ حركةِ فتحِ السياسيِّ -إلا من رحم ربي من شرفائها وهم كثر- فكيف بحركة نضالية كبرى تتحول إلى بوق لسلطة أوسلو التي قصرت بحق شعبها، واضعة نفسها في موقف حرج أمام الشعب الفلسطيني الذي ما فتئ يدافع عن مقاومته المظفرة، فيما لا يلمس من السلطة إلا الخذلان.
فلا تجد المقاومة من يساندها في الميدان إلا إخوة لها في اليمن وجنوب لبنان والعراق وقطر وشعوب العالم الحر.. فالشمس لا تغطى بغربال، ولا توجد حرية بلا تضحيات.