لم تشهد الولايات المتحدة منذ تأسيسها انتخابات مفصلية كهذه الانتخابات التى تعيشها أمريكا ويشارك فيها العالم أجمع لا فى منعطف اغتيال كندي ولا فى منطلق انتخاب أوباما هذا ما تتفق عليه استخلاصات معظم المتابعين للشأن الانتخابي الأمريكي حيث أخذت هذه الاستخلاصات تبين مقدار تأثير المناخات السياسية المحيطة لظروف انعقادها بينما تعكس الأجواء المصاحبة لها على مناخات التحضير لها في أروقة الحزبين حيث تتم عملية الإعداد وسط أجواء أخذت ما تكون غريبة الأطوار آليات استقطاب مغايرة عن ذى قبل.
كما راحت الخطط التنظيمية تكون أكثر تخصيصا بتحديد فئة الاستهداف وتستند لوسائل عملها نماذج معرفية قائمة على الذكاء الاصطناعي الذي أصبح بدوره يشكل وسيلة أساس بالتواصل والاتصال بين رسالة الحزب وفئاتها المستهدفة هذا إضافة لآلية التواصل الوجاهي التي باتت تقوم تشكيلاتها على المجموعات النخبوية المناصرة للحزب بعناوين المخاطبة خاصة.
لياتى ذلك كله وفق منظومة التكوينات الديموغرافية ذات الهويات الفرعية المشكلة لموزاييك المجتمع الأمريكي الذى غالبا ما يكون منقسم بين العرقيه الانجلوسكسونيه التى يتشكل منها غالبية المجتمع الامريكي والفئات الاخرى من المجتمع التى تطالب بالمواطنة وبين نموذج المواطنة والأصول العرقية التي كانت دائما تكون المنافسة والاستهداف فى آلية عمل الحزبين الجمهوريين يقفون مع العرقية المحافظة والديمقراطيين مع نهج المواطنة والليبرالية.
وهو ما جعل من قوام الحزبيين وسياساتهم تكون منسجمة بالإيقاع الداخلي مع مكون هذا المضمون طيلة السنوات الماضية، الأمر الذى جعل من الحزب الجمهورى يهتم بحركة رأس المال وقطاع رجال الأعمال بينما يهتم الحزب الديموقراطي بالطبقة الوسطى حيث الفئات المهنية والعمالية والقطاعات العلمية والمعرفية وينحاز للجوانب التأمينية للحياة المعيشية وهو التباين الذى جعل من الانتخابات الامريكيه تكون انتخابات مدارس فكرية ومنهجيات علمية قراءتها تعنى قراءة المستقبل المنظور و جعل الاهتمام فيها واجب ملزم لكل المتابعين والمهتمين في الشأن العام.
من هنا تاتى اهمية متابعة الانتخابات الأمريكية التي أخذت تحمل لهذا العام مؤشرات عميقة يستوجب التوقف عندها وتظهر متغيرات منهجية ستشكل عند إقرارها علامة فارقة تاريخية في المشهد العام كونها راحت تنقسم بين منهجين الأول يتحدث عن "صهيونيه" يقودها الرئيس بايدن والآخر يتحدث عن "تلمودية" عقائدية بقيادة الرئيس ترامب ويتم الحديث عن تخصيص 18 مليار للقضاء على الإسلام خلال عامين وتتحدث أروقة اخرى عن إصدار تشريعات تمنع المسلمين من التملك وحق الاستثمار فى الولايات المتحدة وهو ما يثير للسخريه ويفرض علينا بيان الاستهجان مع وصول منهجية العمل الفكرية إلى هذا المستوى الوضيع.
فإن صحت هذه الاستخلاصات التي يجري الحديث عنها ضمن ايقاع مزايدة انتخابية على القيم الإنسانية وثقافة التعايش الديني الذي تقف عليه منطقة مهد الحضارات وتذهب باتجاه تغيير منهجي للحياة السياسية فى الولايات المتحدة فإن الولايات المتحدة ستكون قد شكلت حالة عداء منهجي مع هذا المتغير، وأخذ النظام السياسي لديها ينتقل من نماذج الحياة الديموقراطية إلى نموذج الثيوقراطية هو ما يعني الابتعاد عن الحياه المدنيه واخذت شرعية بيت الحكم بالمحصلة لا تستند الحاضنه الشعبيه بل للأوامر الإلهية.
وهذا ما يعني أن نموذج الحريديم التوراتي فى اسرائيل أصبح يمثله ترامب الرئيس السابق بعناية كوشنير أما الرئيس بايدن فأخذت النخب السياسيه والاقتصاديه من حوله تصفه بزعيم الصهيونيه العالميه وملهمها وهو ما يجعل المشهد الانتخابي في الولايات المتحدة يكون بين مرشد التلمود الأعلى دونالد ترامب وإمام الحضرة الصهيونية جوزيف بايدن الأمر الذي يجعل الانتخابات الأمريكية تحمل منهجية تغيير.