في ذكرى معركة الكرامة تنتشي النفوس، وتلبس الأرض ثوب البهاء في موعد متجدد مع الحياة، فهي النموذج الأردني الأصيل في التضحية والصمود والتكافل والعزيمة التي تفوقت على كل الظروف، وخلقت واقعا جميلا، أعادت التذكير فيه بحضارة هذه الأمة، وبنت قواعد صلبة تنطلق عبرها إلى مستقبلها متسلحة بالمبادئ العظيمة التي أوصلتها إلى الريادة، فظلت خير أمة بأخلاقها، وتسامحها، ومعارفها، وأمرها بالمعروف، ونهيها عن المنكر.
الكرامة في حياتنا ثقافة وحياة، لأنها التاريخ والإرادة والوفاء، وهي المستقبل الذي انبجس فجره في أحلك الأوقات، فظلت هوية الأردنيين التي تبرهن على عزيمتهم وتلاحمهم مع قيادتهم، ووفائهم لدماء الشهداء ولتاريخ الأمة وإرثها العظيم.
في هذا اليوم تتجسد كل القيم والمعاني السامية، الصبر والنصر والشهادة، والسادس وخمسون عاما مضت وذكراها تبعث فينا الأمل وتزيدنا عزا وفخرا، شهداؤنا وأبطال الكرامة الذين لبوا نداء الحق حين هتف لهم فزرعوا في أرض الكرامة نصرا ورفعوا رايات المجد عاليا، جباه سمر جادت وبذلت الروح وحملت لواء المجد وعرين التضحية وهتفت أن الجنان جزاء الشهداء.
أنعم بشهدائنا الذين قاتلوا فلقوا وجه ربهم كراما، من بذلوا لأجلنا أرواحهم، في القلب مسكنهم وفي وجدان العروبة والتاريخ باقون، صرحهم يحدثنا أجيالا تلو أجيال عن معاني البطولة والتضحية والإيثار والقوة والعزيمة التي لا تلين وأن الحق قوة لا يدانيها ولا تعلو عليها قوة، وأن المبدأ لا يمكن المساومة عليه مهما كانت التحديات.
لذكرى الكرامة في أنفسنا خلود، ولبوح مسك الشهادة في قلوبنا وفاء وعهود تتجدد، ومعان وقيم لا تفنى، ستظل خالدة فينا، نكبر بها ونسمو فوق السحاب، وسيظل أشاوس الجيش العربي جيش العروبة ووارث رسالة الثورة العربية الكبرى، قادرين على تحويل الصعاب والتحديات إلى طاقات لا تعرف اليأس والكلل، منطلقين من إيمانهم بربهم ورسالتهم يقدمون الشهيد تلو الشهيد، يبذلون دماءهم في سبيل الدفاع عن الوطن والأمة فهم الأسود والصقور تعلموا من مدرسة الهاشميين أن يكونوا مقبلين لا مدبرين وأن تكون أجسادهم هي الدرع القوي للذود عن الحمى ورد الأعداء والمتربصين.
ستبقى معركة الكرامة جزءا من تاريخنا العسكري الذي نفتخر ونعتز به في ظل قائد المسيرة جلالة الملك عبد الله الثاني ابن الحسين الذي نتعلم منه كيفية الدفاع عن دين وتاريخ ومجد أمتنا العربية والإسلامية، وستظل ذكرى الراحل العظيم صانع النصر في يوم الكرامة المغفور له -بإذن الله- جلالة الملك الحسين في قلوب ووجدان الأردنيين الأحرار، الولاء والانتماء عنواننا لكل ذرة تراب من وطننا، وستبقى راياتنا خفاقة وهامتنا لا تنحني إلا لله -عز وجل- الواحد الأحد
لقد كتب الأبطال بدمائهم قصص البطولة التي تحفظها الأجيال، ولم تغب شمس الحادي والعشرين من آذار ألا وهي تبشر بالنصر، وتزف إلى السماء الشهداء، وبين الخندق والخندق حكايات صبر وثبات .
وبين تلال الكرامة نسمع صوت المقاتلين يهدرون بالتكبير، ويقبلون على الشهادة بفرح، ومع كل قذيفة ورصاصة تنطلق الأهازيج، ومن فوق الدبابات وتحت جنازيرها تأتي أخبار النصر الذي يحول مشهد الاحتفال الذي أراده قادة الغزاة في عمان إلى مأتم يرافق جثث القتلى والجرحى وهم يعودون في توابيت الموت ومواكب الهزيمة، ومن ضفاف النهر ومن بين أشجار البرتقال والليمون تفجرت براكين الغضب فحولت المكان إلى جحيم، وفي ساعات قليلة تخلى الغرور والغطرسة والجبروت عن الغزاة وتاهت فيهم أرض الكرامة فهاموا على وجوههم ضالين ممزقين، وخلد الشهداء أسماءهم على ثرى الكرامة الطاهر، فسلام على قائد الكرامة وصانع انتصارها، وسلام على الشهداء حيث لا ينوب الكلام عن الدماء الزكية التي عطرت أرض الكرامة وعن حبات العرق التي استقى منها ثراها الطاهر وأنبتت دحنونها وانتصارها، ولكنها الذكرى الجميلة التي تجمعنا اليوم لنجدد العهد، ونمضي إلى الأهداف السامية النبيلة لتظل الرايات خفاقة في ظل القيادة الهاشمية التي زرعت فينا الكرامة عملا وأعدت الإنسان الأردني للانتصارات والإنجازات وظل الجيش العربي يدافع عن الكرامة العربية وينتصر للمستضعفين، وينشر رسالة المحبة والسلام وينال ضباطه وجنوده التقدير الكبير بالانضباط العالي والأخلاق الرفيعة، حيث مارست القوات المسلحة الاحتراف من أوسع أبوابه، فكانت فخر الأردنيين والعرب، فعلى درب الكرامة سار الأحفاد فكانت كل أيام الأردنيين كرامات وإنجازات رفعت القامات والرؤوس، وبشرت بربيع المستقبل والكرامة الجميل.
والله نسأل أن تظل أرضنا مباركة بالكرامة والأبطال والانتصارات، ومكللة بالأمن والمجد والغار.