ما بين الموقر وعمان تختصر المسافات وتزهر الحكايات وردا ودحنونا، ينهض من ذاكرة الكبار المخلصين، ونحن نقف بمعية أحد رجالات الدولة الذين لم نكن نرى منهم سوى صفحات الانتماء الصادق والموقف الثابت المترسخ ضمن أبجديات لاتتغير، على اعتبار أنه كان المتمترس في العمل السياسي كأمين حزب أسبق، وبرلماني في الانتخاب وحاكما إداريا في ظروف صعبة، وقبل ذلك في وزارة الإعلام والتشريفات الملكية، ومن ثم حمل حقيبة وزارة الزراعة في أكثر من حكومة، وقد رفع خلالها لواء التحدي، بأن سلامة قوت المواطن الأردني «خط أحمر» مهما كان الثمن!.
وبعيدا عن السياسة.. مجحم الخريشا وعمان كانت قصة «شيخ بدوي» التصق في أرقى أحيائها ردحا من العشق والزمن!.. يقول الخريشا: جئت الى عمان عام 1956 وكنت حينها طالبا في الصف الخامس الابتدائي في القسم الداخلي في الكلية العلمية الإسلامية وكانت عمان حينها أربعة شوارع فقط هي: شارع فيصل وطلال وسقف السيل والمصدار، وكنا صبية صغارا نذهب في الأرض الجرداء من الدوار الاول الى الدوار الثالث لمشاهدة مراحل بناء قصر زهران عام 1958 وكانت الطريق برية موحشة جدا ولا يوجد أي سكان.
يضيف الخريشا: كانت عمان بسيطة وكانت صغيرة المساحة لكنها كبيرة بأهلها، الذين تعايشوا على المحبة ويعرف بعضهم بعضا، واتذكر عمان بين اليوم والامس لأقول بصريح العبارة: ان ما أنجزه جلالة المغفور له الملك الحسين خلال (40) سنة معجزة حقيقية فوق الأرض من حيث العمران والتقدم والبناء والخدمات.
المهم.. بقيت تسع سنوات في القسم الداخلي في الكلية العلمية الإسلامية بعدها انتقلت الى مدرسة رغدان وحصلت على شهادة التوجيهي ومن ثم اكملت دراستي الجامعية في دمشق، وفي عام 1967 وبعد أن تخرجت في الجامعة تعينت في وزارة الإعلام في الدائرة الأجنبية والتي كانت تصدر يوميا نشرة مقيدة تتناول ما يتم نشره عن الأردن من اخبار ومقالات في الصحف الإسرائيلية والإنجليزية والفرنسية ونقوم بإرسالها مترجمة الى الديوان الملكي ووزارة الخارجية ورئاسة الوزراء والوزير المعني وكان أيامها محمد أديب العامري.
يقول الخريشا: اتذكر إنني كدت أموت قتلا ثلاث مرات في أحداث الأمن الداخلي عام 1970 ذلك خلال وجودي في مؤتمر في منزل الشيخ مجحم العدوان، ومرة في وادي الرمم ومرة أخرى في طريق الموقر بالقرب من البادية إذْ كنتُ أقوم بصياغة البيانات في الإجتماعات الوطنية..
عموما انتقلت بعدها للعمل في الديوان الملكي مع إبراهيم عزالدين، كمساعديْن لرئيس قسم الصحافة آنذاك وديع القسوس ثم انتقلت الى التشريفات الملكية ثم وفي الفترة من عام 1974 الى عام 1982 عملت في مكتب سمو الأمير الحسن بن طلال وفي عام 1982 تم تعييني في المجلس الوطني الاستشاري ومن ثم محافظا للبلقاء وقد تمكنت بحمد الله ان اتعامل مع الأحداث عام 1989 بحكمة نظرا لكوني بين أهلي وإخواني أبناء هذه المحافظة التي أحترم كافة أبنائها، ومن ثم أصبحت وزيرا للزراعة في أكثر من حكومة ونائبا منتخبا في أكثر من مجلس نيابي.