كان العالم كله يبدأ نهاره بقراءة الصحف، الملوك والرؤساء والسفارات و"الاجهزة" والجواسيس والسياسيون ورجال المال والأعمال والاقتصاد والمثقفون.
وكان للمقالة حضور وتأثير، لدرجة انها قد تخلق مشكلة، أو تردم فجوة بين دولتين. فقد حصل ان عاتب الرئيس الفرنسي شيراك، الملكَ الحسين وهو يستقبله على درج الإليزيه، على مقالة لخالد محادين في الرأي.
كان الجميع في الأردن يبدأ نهاره بقراءة الجرايد: الملك ورئيس الوزراء ومدير المخابرات ومدير الأمن ووزير الإعلام والوزراء والأحزاب السرية والسفارات ومحطات المخابرات الأجنبية.
كتب بدر عبد الحق مقالة، اشفق فيها على اللص الذي تسلل إلى بيته، فلم يجد ما يسرقه، الا جهاز تلفزيون «سكراب» قديم.
اتصل الملك الحسين صباح نفس اليوم مع الكاتب بدر عبد الحق ومازحه، واوعز بإرسال أحدث وأكبر جهاز تلفزيون في البلد إلى بيته. وقد اخبرتني زوجته سلامة انها ما تزال تحتفظ به !!
تنجِب الشعوبُ كاتباً وربما كُتّاباً كل يوم، ولا تنجب الشعوبُ مبدعاً كل عام. وربما لا تفعل كل عشرة أعوام.
غاب بدر عبد الحق عنا مرتين: مرةً حين فقد الذاكرة لمدة 15 سنة. ومرةً حين رحل قبل 16 سنة.
تميز الوسيم بدر، بالرّقة في علاقاته. وبالشّدة في مقالاته. وتميز بالود والعذوبة والدماثة. وكان لفرطِ دبلوماسيته، يصلحُ سفيراُ بامتياز.
قسا الزمنُ على بدر مرات، وتم تسفيره بالبيجاما من احدى الدول العربية، لا على جريمة احتيال، بل على كتابة مقا
تزاملت مع بدر في كتابة المقالة الصحفية. وفي مجلس نقابة الصحفيين. وفي الهيئة الإدارية لرابطة الكتاب الأردنيين. وفي الدفاع عن حقوق الانسان. وفي العمل من أجل الحريات العامة، والديمقراطية والتنوير والحداثة.
وانمنعنا من الكتابة معاً في الثمانينات، برفقة اساطين الكتابة : عبد الرحيم عمر، وفهد الفانك، وطارق مصاروة، وفهد الريماوي، وخالد محادين، وفخري قعوار، وقت ان كان الكاتب يهز ويعز، و له "وهرة".
تتمثل محنةُ بدر عبد الحق في أنه غاب وتسرب، في غير اوانه، وانكفأ إلى عزلة قسرية وعتمة اجتماعية وإلى صمت شاق. وتألم بدر ألماً قاسياً، اطلعتنا على نزر منه زوجته سلاّمة الجماعيني في كتابها "في انتظار البدر".
كان مرضُه أطولَ عملية اغتيال تعرض لها انسانٌ وانسانة وأسرةٌ رقيقة رهيفة: سَلاّمة الام. وثلاث بنيات كزغب القطا: ميس و وسن وسمر.
تميزت كتابات بدر بالإِدهاش والسخرية اللاذعة والدعابة والتهكم. بحيث يمكن تصنيفه احد رواد الأدب الساخر. وهو ما تجلى في مقالته "مشروعٌ لإنشاءِ دولة".
استمرت محنة بدر 15 سنة ثقيلة قاسية عليه وعلى اسرته. حملته زوجتُه سلاّمة خلالها، على عمرها وروحها، فحفظت ضعفه وكرامته.
في مثل هذا الشهر عام 2019 عقد الدكتور أحمد ماضي ندوة في رابطة الكتاب، عن الكاتب الكبير بدر عبد الحق، شاركتُ فيها برفقة الكاتب إسلام سمحان وفوزي الخطبا وعبد الله حمودة وسلامة الجماعيني زوجة بدر.
لم يحضر كاتبٌ واحدٌ من نحو ألف كاتب وكويتب أردني !! اقتصر الحضور على عدد من اصدقائي أعضاء جمعية الحوار الديمقراطي الوطني.
نقرأ شعارات كبيرة يطرحها المرشحون لانتخابات رابطة الكتاب الأردنيين، التي ستجري غدا السبت.
تمنيت لو أن الأصدقاء المرشحين تواضعوا في شعاراتهم، لتظل واقعية، قابلة للتصديق والتحقيق مثل: متابعة الحالة الاجتماعية للكتاب، العناية بالوضع المادي والوظيفي، العمل على تحقيق الأمان الصحي للكتاب وأسرهم. إنشاء صندوق مشترك لدعم الرياضة والصحافة والثقافة والفنون، سيسهم إلى حد يفوق الوصف في إقالة عثرات ابناء تلك القطاعات الوطنية، القوة الناعمة لبلادنا، الفائقة الأهمية والتأثير.
دعوت بصفتي رئيس لجنة الثقافة والشباب والرياضة في مجلس الأعيان، إلى جلسة عصف فكري حول الهموم الثقافية، حضرت القطاعات كافة، وللأسف لم تحضر رابطة الكتاب !!