تحفيز النشاط الاقتصادي والاستثمار، بهدف إيجاد حلول ناجعة للحد من معضلتي الفقر والبطالة، كان من أبرز المؤشرات التي تضمنتها الرؤى الملكية بما ينسجم مع رؤية التحديث الاقتصادي وخارطة طريق تحديث القطاع العام، فضلًا عن إصرار جلالته في أكثر من مناسبة على تفعيل أوجه التعاون البنّاء بين القطاعين العام والخاص إذا ما أردنا الوصول إلى تحقيق الغايات التي يتطلع إليها جلالته الذي أدرك مبكرًا أن تحقيق الأهداف الوطنية في التعامل مع هذه القضايا لا يمكن أن يحدث دون بناء شراكة حقيقية بين القطاعين العام والخاص، يكون الأخير بموجبها هو المحرك والموجه الرئيسي للنشاطات الاقتصادية، ويلعب دوره الحيوي في بناء سياسات واستراتيجيات الإصلاح الاقتصادي بمختلف جوانبه المالية والاقتصادية والتشريعية والقضائية والتعليمية وغيرها، لأن للقطاع الخاص دور لا يستهان به في تغيير ثقافة الشباب نحو التعليم المهني والتقني من خلال استراتيجية إعلام واتصال قوية وحملة وطنية لتغير هذه الثقافة وتشجيع الشباب للالتحاق بالتعليم المهني والتقني، خاصة أن مراكز مؤسسة التدريب المهني منتشرة في معظم مناطق المملكة ولديها القدرة على مواكبة التطوير والتغيير باستمرار منذ تسلم سلطاته الدستورية سنة تسعة وتسعين، أطلق جلالة الملك مجموعة من المبادرات الرامية إلى تعزيز دور الشباب في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، بدءا بالاستثمار في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم، وحثهم على التفكير والتحليل والإبداع والتميز، واليوم أعود إلى الاجتماع الهام الذي ترأسه جلالته بحضور ولي العهد في آذار الماضي والذي دعا خلاله إلى ضرورة توسيع فرص التعليم المهني في الجامعات لأهميته في التنمية الاقتصادية، حيث ركز جلالته على منح الأولوية لإنشاء مدارس التعليم والتدريب الفني والمهني وتحديثها، والتعاون بشكل فاعل مع القطاع الخاص لدعم جودة مخرجات التعليم المهني، مثل قطاع السياحة والفندقة والقطاعات الأخرى، فضلًا عن تطوير منظومة التعليم والتدريب المهني والتقني داخل مدارس الوزارة والتركيز على ادماج التكنولوجيا في برامج التدريب لتتناسب مع فرص العمل للشباب داخل وخارج المملكة، بالإضافة إلى تأكيد جلالته على تطوير بيئة العمل وبيئة التدريب المناسبة.
جلالته تحدث في كثير من الأفكار التي سعى من ورائها إلى تحقيق التنمية الاقتصادية وبذل جلالته، وإلى اليوم، جهده الدؤوب لتؤتي برامج تحقيق هذا الهدف أُكُلها في تأمين مستوى معيشي أفضل للأردنيين، وحدد جلالته عدة محاور لتحقيق هذه الرؤية، منها تحرير الاقتصاد وتحديثه ورفع مستوى معيشة جميع الأردنيين، بما في ذلك تخفيض عبء المديونية وتقليص عجز الموازنة وتبني سياسة اقتصادية تحررية والاندماج في الاقتصاد العالمي وتعزيز العلاقات الاقتصادية مع الدول العربية ومحاربة البطالة والفقر.
احتفال المملكة بعيد العمال يأتي وسط رعاية ملكية كبيرة لهذا القطاع الهام، حيث شهد الأردن حزمة من الإجراءات التي استهدفت مصلحة المواطن والعامل، كموضوعات الحد الأدنى من الأجور، وتوفير البرامج التدريبية المتطورة من خلال مؤسسة التدريب المهني بهدف إحلال العمالة الأردنية المدربة مكان العمالة الوافدة، ووضع خطط وبرامج تدريبية في قطاع الإنشاءات الذي يشهد نموا ملموسا، وكذلك وزيادة حجم مظلة العمال المستفيدين في التأمين الصحي هم وعائلاتهم، كما اشتملت اهتمامات جلالة الملك توفير أسباب الرعاية والحماية الاجتماعية والضمان الاجتماعي،وكذلك التوجيه نحو إعداد برامج وطنية تدرس احتياجات الأردن وتؤدي إلى إتاحة العديد من فرص العمل التي تتوافق مع سوق العمل وتسلح العامل الأردني بلغة عملية عصرية حديثة وتكسبه مهارات وعناصر نوعية ذات قدرة على التكيف مع التطورات التكنولوجية الحديثة. حيث أكد جلالة القائد الأعلى في أكثر من مناسبة على ضرورة ايلاء الحركة العمالية الاهتمام والرعاية فكانت التوجيهات بضرورة تعديل قانون العمل ليتلاءم مع المرحلة الاقتصادية المقبلة محافظا على أركان العملية الإنتاجية «العامل وصاحب العمل» وخلق التوازن فيما بينهما، كما لا بد من التعريج على ذكر البرنامج الوطني للتشغيل «تشغيل» الذي انطلق في عام 2022 يهدف إلى توفير فرص عمل للأردنيين والأردنيات في القطاع الخاص، وذلك انسجاما مع توجهات الحكومة في تمكين الأردنيين والأردنيات من الفئة العمرية بين 18-40 عاما.
إلى ذلك وضمن هذا الصدد كان تركيز سمو ولي العهد بضرورة تعظيم قيمة وشأن التدريب المهني لدى فئة الشباب وتعزيز وتنمية مهاراتهم لغايات خلق فرص عمل مواتية لهم بما يتواءم مع احتياجات سوق العمل، ومن هنا كانت قناعات سموه في هذا الإطار وراء تأسيس هيئة تنمية وتطوير المهارات التي نجم عنها تأسيس مجالس مهارات قطاعية مهمتها تحديد احتياجات القطاع الخاص من المهارات المطلوبة من الشباب حتى يستطيع المساهمة في خلق فرص العمل، ولقد تبنت الهيئة التوصيات المنبثقة عن الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية 2016- 2025، والتي أطلقت برعاية ملكية سامية في حينها، ما شأنه أن تترجم الرؤية الملكية السامية لتطوير منظومة متكاملة واستراتيجية شاملة وواضحة المعالم لتنمية الموارد البشرية، وتؤطر عمل القطاعات المعنية بالتعليم، بما ينسجم مع مخرجات الرؤية الاقتصادية للسنوات المقبلة، كما تقودني الذاكرة القريبة إلى أكثر من اجتماع وللقاء لسموه في عجلون والطفيلة على سبيل المثال حيث انصب تركيزه على ضرورة تطوير مراكز التدريب والتطوير المهني والتقني باعتباره من أهم الأدوات التي تساعد الشباب على إيجاد فرص عمل، وأنه الركيزة الأولى في الاستثمار، وبناء الأجيال ورفد أجهزة الدولة بموارد بشرية مؤهلة، دون أن يفوتنا الإشادة بجهود سموه فيما له علاقة بالتدريب أثناء الدراسة وتجذير ثقافة التطوع التي تراكم خبرات الشباب وتغيير سلوكياتهم ومضاعفة مهاراتهم العملية.
وعليه فإن توجيهات سموه تكتسب أهمية مضاعفة بالتأكيد على التوجه نحو التدريب المهني والتقني ووضع برامج عملية جادة تهدف إلى «التدريب من أجل التشغيل»، ولطالما لفت سموّه وفي أكثر من مناسبة إلى أهمية إقبال الأفراد على المشاريع الصغيرة والمتوسطة وبرامج التشغيل الذاتي، ونشر ثقافة المبادرة والريادة في المجتمع
ونخلص إلى القول إلى أن المملكة الأردنية الهاشمية بقيادة جلالة الملك إلى المستقبل بخطى واثقة، وجدير بنا ونحن نحتفل باليوبيل الفضي لتولي جلالته سلطاته الدستورية أن نشيد بالتصور الملكي الشمولي الذي وضعه جلالته لتطوير الأردن ونهضته ضمن رؤية التحديث الاقتصادي التي تستهدف تحسين مستوى معيشة المواطن الأردني وخلق أكثر من مائة ألف فرصة عمل للشباب المؤهل خلال السنوات العشر القادمة مع الأخذ بعين الاعتبار أولوية تمكين الشباب وتسليحه بمهارات جديدة تتناسب مع التطور التكنولوجي، خاصة المهارات الرقمية، وضرورة بناء قدرات المدربين القائمين على عملية التدريب لمواكبة التطورات التكنولوجية وتطوير المناهج بالشراكة مع القطاع الخاص لتتواءم مع متطلباته.