حرب حزيران التي سطّر فيها شهداء الجيش العربي الاردني في القدس وسائر ارجاء الضفة الغربية معنى الرجولة التي لم تخشع عدّوةَ العَدو ولا عداده ولا تفوقه بالامكانيات فأستبسلوا وقدموا النفس فداءَ للقدس .
حرص الجنود البواسل على عروبة المكان والحق العربي فيه , وتجسّدت وحدة المصير والدم الاردني والفلسطيني فوق الارض وتحتها , فقبور الشهداء الاردنيين جاورت قبور أبناء القدس المرابطين في مسيرة نضال امتزجت فيها التضحية بحب الارض فجمعتهم ارض المعركة فقاتلوا بشرف وأستبسال ودافعوا عن ثرى فلسطين والقدس .
ولمّا تعرّض له الجيش العربي الاردني من خسائر جسيمة حتى انّ بعض السرايا قاتلت حتى اخر رجل فيها , فإن روح التضحية والشجاعة والاصرار على القتال حتى اخر طلقة وأخر رجل لا بل وأخر سيارة اسعاف أجبر العدو قبل الصديق على ان يشهد لهذا الجيش بالشجاعة والاحتراف والتفاني , فقد صرّح أحد جنرالات الجيش الأسرائيلي بأن هذه الحرب كان يمكن ان تسمّى حرب الساعات الستة لا الايام الستة لولا صمود الجيش الاردني الذي بقي يحارب منفرداً اياماً فيما انهزم الاخرون خلال ساعات , وقد كانت الخسائر الاسرائيلية على الجبهة الاردنية اكبر من جميع الجبهات الاخرى مجتمعة .
وكان لشهيدنا البطل حمدالله بخيت المهاوش الدعجه النصيب الاوفر من العزّ والكرامه من هذه المعركة كيف لا وقد رجعت نفسه المطمئنه الى ربها راضية مرضية وقد نال شرف الشهادة وذلك في منطقة الشيخ جراح.
حيث تناهى الى مسامعنا بأن هناك دفعة من الجرحى الذين أُصيبوا في منطقة الشيخ جراح وصلت الى المستشفى الرئيسي الموجود حالياً في ماركا الشمالية وكان التوقع ان يكون شهيدنا البطل من احد هذه المجموعة , وبناءً عليه قام اخي ( محمد ) بزيارة هؤلاء الجرحى متمنياً أن يسمع اي معلومة تفيده عن مصير شهيدنا البطل (هل هو جريح / ام أستشهد / أم أسير ) وكانت مجموعة الجرحى موجودين في مكان واحد لتلقي العلاج , وعندما دخل عليهم سأل جميع الجرحى بالحرف الواحد ( يا أخوان الحمد لله على سلامتكم أريد ان أسأل : هل منكم من كتيبة الحسين الثانية / فأشار زميل له بيده وقال : ( أنا ) فذهب اليه وأطمأن عنه ثم سأله هل تعرف حمدالله المهاوش الدعجة ؟ فقال لهُ بتواضع من منا في كتيبة الحسين الثانية لا يعرف حمدالله ! يا أخي حمدالله الدعجة من أعزّ اصدقائي , أكيد انت شقيقه لأن الشبه بينكم كبير , فقال أخي هو شقيقي , فماذا تعرف عن حمدالله ؟ فأخذ نفس طويل وتنهد فقال انصحك لوجه الله لا إتدور ولا ييجي على بالك / اخوك حمدالله أستشهد امام عيني هاتين وبأصرارمنه فقال كيف ذلك؟ فقال : كنتُ انا وحمدالله نأكل معاً ونشرب معاً ونقاتل معاً وفي اليوم الثالث من بداية الحرب كان هناك الشهداء الكثر والجرحى الاكثر , وكان حمدالله يسوق سيارة اسعاف ووصلتنا برقية بأن هناك الكثير من الجنود بحاجى الى اسعاف فوري لأنقاذ حياتهم , وبطبيعة الحال كانت الظروف صعبة والحالة النفسية سيئة جداً والمعنويات محطّمة وتنفيذ الاوامر حسب الضمير/ فما كان من اخوك حمدالله الا ان قام بسرعة الى سيارة الاسعاف وقال (انا لها انا لها ) سأذهب بنفسي وأتي بألجرحى تحت أي ظرف كان مهما كانت صعوبته فقلت له ومعي جندي اخر اين تذهب ؟ سوف لن تعود , الطائرات الاسرائيلية قاعدة تقصف كل شي فكيف البشر ؟ فقال بالحرف الواحد ( والله ما حياتي احسن من حياتهم ، والله لأحملهم ولو على أكتافي ما أستطعت وتفي على الدنيا إذا بدي اترك زملائي بحاجة لي / الشهادة ولا الدنية، الشهادة ولا الدنية ، فلم يستجيب لنا وساق السيارة بسرعة جنونية لكي بنقذ زملاءة ، وفي بداية الطريق كشفته طائرة اسرائيلية وأخذت تستفزه وذلك بالتقريب منه ثم الصعود الى الجو ثم العودة اليه والصعود مرةً اخرى وهكذا عدة مرات حتى تحطمه نفسياً ، وعندما وجدوا الاصرار الاكيد عند الشهيد حمدالله قامت الطائرة بضربه ورأينا إطارات السيارة تتطاير بالسماء وقطع السيارة تتناثر من كل اتجاه ، وقلنا ( استشهد حمدالله ، استشهد حمدالله ) فيا أخي أقولها لك مرة اخرى ( أنصحك لا تدور عليه نهائياً ) أنا رأيت السيارة بأم عيني وهي تتطاير بالسماء مقطّعة إرباً إرباً ، فعد الى بيتك واقطع الامل من عودته نهائياً ، فقال له : وأنت ماذا حدث معك ؟ فقال : الطيارة التي ضربت سيارة حمدالله عادت الينا خلال خمس دقائق وضربت منطقتنا بالكامل وكل الزملاء الذين كانوا معي أستشهدوا وأنا اصبت في ساقي الايمن من احدى الشظايا وظلّ ساقي ينزف دماً لمدة خمس ساعات وأنا مرمي على الارض فجاءني جندي اسرائيلي ورأني اتحرك فخاف مني أن اقتله فما كان منه الا ان ضربني بصليه من مسدسه واصابت ساقي الاخرى . فوقف عند رأسي وتأكد بأنني لا أحمل سلاحاً فنظر ألي لمدة 3 دقائق وهو يتفحص وجهي وانا انظر أليه فما كان منهُ ألا ان قام بأشعال سيجارة وأعطاني اياها وسحبتها سحبة واحدة / كامل السيجارة وشفق علي وحمّلني بسيارة اسعاف اسرائيلية وسلمني لأقرب نقطة تابعة للجيش العربي الاردني ورماني على الارض وحملني من راْني ، وقام زملائي بعد ذلك بأسعافي أولياً ثم نقلوني الى عدة محطات حتى وصلت الى هذا المستشفى الذي انا فيه الان ، وأنت ترى رجلّي معلقتين على هذا التخت الميت / ويا ريت استشهدت افضل من هذا الوضع الذي انا فيه الان .
وبعدها غادر أخي من عنده وبشّر كافة ابناء عموميته بشرف استشهاده امتثالاً لقوله تعالى ( فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ) صدق الله العظيم
ً
1- اسم الشهيد : حمدالله بخيت مهاوش الدعجة
2- مكان الولادة : عمان-ماركا الجنوبية-ارميدان
3- تاريخ الولادة : 1939
4- الرقم العسكري : 71012
5- عمل في كتيبة الحسين الثانية / السرية الثانية / سائق سيارة اسعاف
6- أستشهد في معركة حزيران 1967 في منطقة الشيخ جراح / الضفه الغربية
منوهاً بأن عشائر الدعجة قدمت العديد من الشهداء فداءَ للوطن وحتى هذا التاريخ متوجه بالشهيد عبدالله رافع الزغاتيت الذي استشهد وهو يؤدي واجبه المقدس .