من المُحيّرات التي تلجم القلم ان تكتب عن الحبيبة التي تسكن محاجر العيون والقلوب وتنساب في الشرايين كُريّات عشق ،" لمأدبا في فؤادي حقل ريحانِ يمتد ما بين شرياني وشرياني " .
في مأدبا مشفى للمحبة ، ودوار للمحبة ، ومن اجمل شوارعها شارع العشاق يحضن المدينة والقلوب وكل الذين ضاقت بهم السبل ، جاءها عرار مرارا حين كانت تضيق به عمان ، يطلب السكينة و يشدو على ابوابها الفسيحة بالحنان :
"اهكذا حتى ولا مرحبا لله اشكو قلبك القلبا
اهكذا حتى ولا نظرة المح فيها ومض شوق خبا
ناشدك الله وايامنا ونشوة الحب بوادي الصبا
عمان ضاقت بي وجئتكم انتجعُ الآمال في مأدبا " .
مأدبا مدينة عظيمة لا زال تاريخها العريق مدفون في جوفها ، مؤابية المولد والتحرر منقوش في مسلة ميشع " وانا الذي بنى مادبا وبنيت بعل ماعون وجئت اليها بالرعاة" ، نبطية الحروف ، رومانية التجديد والاسوار والبوابات والبرك ، بيزنطية الكنائس والفسيفساء والخرائط ، مسيحية الديانة منذ دؤاد بن الهبولة الجضعمي القضاعي ، غسانية الهوى والهوية ، في عصر بني امية الاول كانت تقام الكنائس والمساجد فيها ، وكنيسة العذراء تشهد ومسجد الخطابية يشهد رسائل الوئام .
في مأدبا تتعانق المساجد والكنائس ، في مأدبا مسجد يحمل اسم المسيح ابن مريم عليه السلام وكنيسة الرسل .
من مأدبا قايانوس الاول الاسقف في المجمع المسكوني الرابع في خلقيدونيا ، ومن مأدبا البطريرك فؤاد الطوال في بطريركية القدس :
" من سعفها جاء فهو المأدبي يداً ، والاردني ندى والقلب غساني
يا ايها البدوي المأدبي لقد جمعت ما بين غسان وعدنانِ
فأي جدين اعلى منهما نسبا ومثل جديك ما في الكونِ جدانِ
آمنت بالحب ديناً لا يفرقنا فالمؤمنون به اهلي واخواني
يا مأدبا مرحبا بالقادمين الى اعراس مجدك من قاصٍ ومن دانِ ".
اشتق اسم مادبا من لفظ آرامي سرياني مركب من كلمتين ميا د يبا وتعني ماء الفاكهة والدال اضافة .
مادبا المدينة الخالدة التي ذكرت في التوراة والانجيل ومسلة ميشع .
في مأدبا اقدم خريطة فسيفسائية للشرق مركزها القدس الشريف وتمتد من بعلبك الى ممفيس والى اطراف بادية الاردن .
في مأدبا نبو الجبل الذي يرتوي الناظر من سنامته من فلسطين بحرها وجبالها وقدسها واغوارها وخليلها وجليلها ، نبو الجبل حيث كليم الله موسى عليه السلام قائما يصلي في قبره ، نبو الجبل الذي شهد المسرى والمعراج الشريفين ، نبو الجبل حيث الصومعة ومحبس الرهبان ووكر الطائر .
كتب المستشرق الكبير هنري لامنس اثر زيارته لمأدبا عام ١٨٩٧ :" ترى اي خواطر تثيرها رؤية هذه الاخربة ، اي وقع كان لهذه المدينة القائمة شبه حارس ضائع على حدود الحضارة ، اي وقع كان في نفوس ابناء الصحراء ، تلك المدينة المؤابية المزدانة كنائسها بالفسيفساء ، وابوابها واعمدتها ومدرجاتها ، فلو بقيت على ما كانت عليه في عهد بهائها ، لبدت متحفاً رحباً ، بل بومباي شرقية على تخوم العالم المتحضر من جهة الصحراء " .