انطلاقاً من حرصنا على توثيق سيرة شيخ وعقيد وفارس من أشهر فرسان بني صخر، نقدم لكم سيرة الراحل الشيخ طراد بن زبن، رمزاً من رموزنا الخالدة.
نسبه ونشأته ونخوته:
هو طراد بن قمعان بن دريعي بن عبدالقادر بن فرج بن زبن بن رشود بن عامر، ولد حسب أغلب الروايات في منتصف القرن التاسع عشر في مضارب بني صخر. عاش في كنف والده الفارس المشهور قمعان الزبن، فتعلم فنون القتال والفروسية منذ نعومة أظافره. وقد اشترك في صولة بني صخر التي قادها والده على أهل الكرك وهو لم يتعد سن الخامسة عشرة، فلم يكن غريباً أن يصبح فارساً لا يشق له غبار ويشار إليه بالبنان. وقد اشتهر براعي "شرهه" وهي ناقته، وبأخو "وضحى" وخيال "رفعه" وهي فرسه من سلالة الحمدانيات.
كرمه:
اشتهر رحمه الله بالكرم بالإضافة إلى فروسيته التي تحدث عنها الرحالة الأجانب ورواة قبائل العرب.
كان يبني بيته في الأماكن المرتفعة ليهتدي إليه عابر السبيل وصاحب الحاجة والضيف. وقد قال أحد الشعراء يصف منزله:
"يلفي على بيت ترى المدح كاره
أبوفهد يامتعب الفطر الشيب
ينزل براس الشفى عن غتاره
وبيته يواجه عاليات المراقيب
واسمع دنين النجر عند الزباره
بربعته فرش ومراكي وترحيب"
كان يجمع الكلايف من القهوة والترحيب وخفة النفس في استقبال الضيوف وأصحاب الحاجة. من شدى كرمه أنه لا يدبر على ضيوفه شيئاً، وقد وُصف كرمه بدقة:
"أليا كرم ماهو قليلن دباره
على الكثير يكبب السمن تكبيب"
كان يوزع مما كسبه في المغازي على أفراد قبيلته وجيرانه من الدروز والشرارات، حتى أطلق عليه لقب "مزوج العزبان"، وهو لقب أطلق على أكثر من عقيد من القبائل العربية الأخرى.
قصة عشقه لقطنه الفواز:
تحدث كل من شوماخر وسيبروك وأوبنهايم والويس موزيل عن قصة عشقه لقطنه، وذكر شوماخر أن مصادمات حدثت قرب جرش في عام 1897م بسبب عشق طراد لقطنه. وذكر سيبروك أن أعظم مهر قُدم في الصحراء كان من طراد لقطنه، حيث شمل:
- خمسمائة ناقة بيضاء
- ثلاثين بندقية
- ستون حملاً من الحبوب على ظهر ستين جمل
- سروج عديدة وبسط كثيرة
وصفه سيبروك في تلك الحروب التي خاضها بأنه "نمر نصف جائع"، وكانت صيحة الحرب "منشان عيون قطنه". يُشار إلى أن مسلسل "عليا" مقتبس من قصة طراد وعشقه لقطنه مع التغيير لبعض الأحداث.
معاركه:
شارك طراد في صولة بني صخر على الجنوب وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، وكانت هذه أول معركة يشارك فيها.
كما شارك في صد هجوم الرولة على مضارب بني صخر فيما عرف بيوم "الشيحة" بقيادة الشيخ مناور فهار الزبن. من هنا بزغ نجمه وسطع صيته، فقد آلت إليه شيخة العامر وقاد فرسان بني صخر في العديد من المعارك ضد الرولة وغيرها.
ذكر فرديدك بيك في كتابه "تاريخ شرق الأردن" صفحة 305: "وقد أغاروا عدة مرات على الرولة، إحدى عشائر عنزة، بقيادة شيخهم طراد بن زبن وغنموا منهم غنائم جمة". وقد قال ابن بتلا في ذكر الغنائم:
"وطراد عزله من الزمل ستين
زود على زرق البكار العوامي"
وقال ابن عدامة الرويلي:
"طراد ويقني على كل ما جاب
تسعين مابين الجمل والنجيبه"
وذكر ماكس أوبنهايم في كتاب "البدو" صفحة 359: "الأكثر شهرة هو طراد بن زبن الذي كان في حرب الرولة في نهاية القرن عقيد بني صخر". من أشهر معاركه: يوم الغوطة، يوم برقع، المحيضر، الجذوا، وذرعات والمعاصر. كما شن عدة غارات على عنزة في العراق وسوريا.
امتدحه خصومه قبل أصحابه ومنهم الشاعر دعيييل السالمي في يوم ذرعات حيث قال:
"راعي شرهه المسطور
صبحنا فجة النور
معه كل الصخور الغور
والحجايا وحويطات"
وقال ابن حويان العزامي:
"يزوركم طراد وهذا أشد الأوجاع
يلعب بكم لعب الولد بالربابة"
وفي يوم الجذوا مع الرولة قال راعي الغنيمة:
"ياضبعة الجذوا علامك تعوين
طراد خلا الودك تاكلينه
خلاك من روس النشاما تعرشين
واللي بقى للمجحرة تسحبينه"
عقد طراد حلفاً مع بني صخر والحويطات زمن الشيخ حرب أبو تايه والحجايا والعيسى. هذا الحلف لم ينفك إلا بعد وفاته.
أشار الشيخ رثعان ابن حطاب الماضي إلى حلف الحويطات مع طراد بقوله:
"ودي أن مدوا حويطات وطراد
بجموع ما يسمع طرفها المنادي
للمنتحي نرمي على البير ميعاد
لما يتليم شمل سبع البوادي"
وفاته:
توفي طراد بن زبن في عام 1900م بعد الإغارة على الدهامشة من العمارات من عنزة بالعراق. ضُربتهم عجة انعدمت الرؤيا فيها، فرجع دون أن يعلم للقوم الذين أخذوهم. أُطلق عليه أحدهم من السبعة من عنزة وأصابه في جنبه، فظل على فرسه مصاباً وسقط في منطقة شمال مدينة عرعر بالسعودية بالقرب من شعيب سويف. بذلك أُسدِل الستار على حياة فارس بني صخر وحامي ديارها طراد بن زبن. أنجب ولدين هما الشيخ فهد والشيخ عضوب، وكان لهما دور كبير في الثورة العربية الكبرى.
مما قيل في رثائه:
"ياصخور وين طراد قرم الأواليد
رش الحريب اللي يلم الجرودي
اقفن عن زين الفعايل عراقيد
ياليتهن كسرن حد العضودي"
رحم الله الشيخ طراد بن زبن، الذي كان قدوة للشجاعة والفروسية ومثالاً للأنفة والعزة والطيب، وعلماً سطّر تاريخ قبيلة بني صخر بالانتصارات المشرفة والمواقف النبيلة. لم يُذكر عنه أنه غزا أي قبيلة تسكن حوله....