الضغط النفسي هو تلك النار الخفية التي تتراكم بهدوء داخل الإنسان، تبدأ كشرارة صغيرة ثم تتغذى على القلق والمخاوف والتوترات اليومية حتى تتحول إلى حريق مستعر. إنه كتلك القطرة المستمرة التي تنحت الصخور، لا يشعر بها أحد في البداية، لكنها تستمر في ضرب جدران القلب والعقل بلا هوادة إلى أن ينهار الشخص تماما، ويجد نفسه في مواجهة غير متكافئة مع كل ما حوله.
عندما يتعرض الإنسان لضغوط نفسية شديدة، يصبح وكأن روحا غريبة قد استولت عليه. تتبدل نبرة صوته، وتتغير نظرات عينيه، ويصبح كالمقاتل الذي وجد نفسه فجأة في معركة لم يخترها. كل كلمة، كل نظرة، كل لمسة تصبح ضربات من أعداء غير مرئيين. ويبدأ العقل بالبحث عن مخرج، عن هدف يفرغ فيه طاقته المكبوتة، عن عدو يتوجه إليه، حتى ولو كان هذا العدو هو أقرب الناس إليه أو مجرد مار في الطريق.
في هذه اللحظة، يصبح الغضب سلاحا، والصرخة معركة، والكلمات سهاما، والضربات دروعا تردع كل من يقترب. يتشكل داخله ذلك الوحش، الذي يغذيه الضغط النفسي المتراكم، فيتحول الإنسان إلى مزيج من الاندفاع والعجز، من الرفض والرغبة في الهروب من ذاته. يبحث عن حل، عن خلاص، عن لحظة من الراحة، لكنه لا يجدها.
يصبح الهجوم وسيلته للبقاء، وسيلة لإثبات أنه لا يزال قويا، أنه لا يزال حيا، رغم كل الضغوط التي تحاصره من كل جانب. يحارب في كل مكان، يرى في كل ابتسامة تحديا، وفي كل كلمة انتقادا، وفي كل حركة استفزازا. يصبح العالم بأسره ميدان معركة، ويصبح الجميع أعداء محتملين. لكنه في عمق قلبه، يعلم أن العدو الحقيقي ليس أحدا آخر، بل هو ذاته.
تستمر المعركة الداخلية، تتضخم إلى أن تصبح مرهقة، وتتحول إلى صراع يومي ضد فكرة واحدة: الهروب. الهروب من كل ما يؤلم، من كل ما يضايق، من كل ما يسبب ذلك الانفجار الداخلي. ولكن، كيف يمكن للإنسان أن يهرب من ذاته؟ كيف يمكنه أن يترك وراءه كل ما يحمله في قلبه وعقله؟ يجد نفسه محاصرا، وكلما ازداد الضغط، ازدادت رغبة الروح في القتال، في الدفاع عن نفسها، حتى ولو كان هذا الدفاع ضد وهم، ضد لا شيء.
الضغط النفسي ليس مجرد حالة عرضية، بل هو حرب داخلية مستمرة، تحتاج إلى هدنة، إلى سلام داخلي، إلى أن يجلس المرء مع ذاته في هدوء، ويتقبل كل ما في داخله من ضعف وخوف وألم، لأن القتال دون معرفة العدو الحقيقي لن يؤدي إلا إلى مزيد من الجروح التي لا تندمل.