في قلب البادية الأردنية، وسط تلك الأراضي الممتدة بلا حدود، يبرز الشاعر فليح الجبور كأحد أعمدة الشعر النبطي، والذي يمثل جزءًا لا يتجزأ من التراث الثقافي للمنطقة... وُلد الجبور في بيئة بدوية تعيش على نبض الصحراء، حيث استلهم منها كل تفاصيل قصائده... هو شاعر ينطق بلسان الأرض والوطن والإنسان، يمزج بين الحاضر والماضي في صور شعرية تلمس الوجدان وتروي حكايا العراقة والبساطة في آنٍ واحد.
ما يميز فليح الجبور، الذي يمكن أن نطلق عليه لقب "حارس الذاكرة الصحراوية"، ليس فقط مهارته في إتقان القافية والموسيقى الشعرية، بل قدرته على أن يعكس نبض حياة البدو بكل تفاصيلها... الصحراء بالنسبة له ليست مجرد مساحة جغرافية قاحلة، بل هي مسرح حياة يمتد من الماضي إلى الحاضر... ففي قصائده، تتحول الرمال والكثبان إلى شخصيات حية، تتحدث عن الكرامة والحرية والصمود في وجه تقلبات الزمن..
الجبور لا يكتب الشعر فحسب، بل يعيش تجربة الشعر بكل تفاصيلها... من جلساته البدوية حول النار إلى مشاركته في المحافل الثقافية الكبرى، يبقى الجبور ملتزماً بنقل صورة حقيقية عن البدو وتقاليدهم... هو صوت الصحراء، يتحدث عن الحب العذري كما يصف البطولات والأساطير التي تعيش في ذاكرة المجتمعات البدوية...ويتحدث بلغة العصر ومشاكله .. ويشعر للوطن وفائده...قصائده مليئة بالحكمة والأمثال التي تتناقلها الأجيال، مما يجعله جسراً بين الماضي والحاضر، ومؤرخاً غير رسمي للبادية.
الشعر بالنسبة لفليح الجبور ليس مجرد فن، بل هو وسيلة للحفاظ على هوية كاملة تواجه خطر الاندثار... ففي زمن العولمة والحداثة السريعة، استطاع الجبور أن يكون الحارس الأمين لتراث قبيلته بشكل خاص... وتراث البادية والبدو بشكل عام ، مستخدماً الكلمة كسلاح قوي في مواجهة التحديات الثقافية... على الرغم من انتشار التكنولوجيا ووسائل الاتصال الحديثة، لا تزال قصائده تجد صدى واسعاً بين أبناء البادية، لأنها تعكس نبض حياتهم وتطلعاتهم وآمالهم...وصداها تعدى حدود الوطن ..فله جمهوره ومحبيه على امتداد المعمورة..
وعلى الصعيد الشخصي، يحمل الجبور في نفسه تواضعاً نادراً... على الرغم من شهرته الواسعة، إلا أنه دائماً ما يؤكد أن الشاعر الحقيقي هو الذي يخدم مجتمعه ويساهم في رفعته... هذا التواضع جعله محبوباً ليس فقط لدى الجمهور، بل أيضاً لدى زملائه الشعراء والمثقفين... في المهرجانات الشعرية، يجتمع حوله الكثيرون للاستماع إلى قصائده والاستفادة من خبرته الطويلة... وقد شارك في العديد من المحافل الشعرية الكبرى في الأردن وخارجها، وكان دائماً يمثل صوت البدو الذي لا ينقطع عن سرد الحكايا...
تعتبر تجربة فليح الجبور تجربة شعرية فريدة، حيث تمكن من أن يكون مرآة لمجتمعه وثقافته، مستخدماً اللغة النبطية بأسلوب يجذب القلوب والعقول... وبينما يتغير العالم من حوله، يبقى الجبور متمسكاً بجذوره، يروي قصص البادية وينقل صوتها إلى الأجيال القادمة... هو شاعر ينتمي إلى الصحراء بكل تفاصيلها، يكتبها بأحرف من نور ويحولها إلى قصائد خالدة تبقى في ذاكرة الناس.
في الختام، يمكن القول إن فليح الجبور ليس مجرد شاعر نبطي، بل هو رمز للحفاظ على هوية المجتمع البدوي وتراثه... هو "حارس الذاكرة الصحراوية" الذي يكتب عن الصحراء والوطن بصدق وعاطفة، محققاً من خلال كلماته تواصلاً بين الأجيال، ومثبتاً أن الشعر يمكن أن يكون وسيلة فعالة لحماية التراث والثقافة من الاندثار... وللحديث بقية..