المغفور له اللواء الركن غازي عربيات رحمه الله , وضع خطة في حينه لتطوير جهاز الامن العام وادائه, ليكون في مصاف احدث الأجهزة العالمية المتطورة في حينه ويتفوق عليها , وكنت قريبا جدا منه, ومطّلعا على فكره ومخططاته لثقته المطلقة بي , وحبي له الذي لا يخضع للمساومة , ولا زلت وسابقى وفيّا له , فهو من امر بايفادي لنيل درجة الدكتوراه في جامعة كامبريدج وهذا مُدوًّن بخط يده في اضبارتي .
المقال التالي الذي كتبتُه شخصيا ونشرتُه في مجلة الشرطة في حينه حيث كنت رئيسا لتحريرها مدة تسع سنوات , يُلقي الضوء على ما حققه الجهاز زمن المغفور له اللواء عربيات رحمه الله , رغم قصر المدة التي انتهت بانتقاله الى الرفيق الاعلى بحادث سيارة ؟؟؟
ولو طال به المقام لوصل الجهاز الى الحداثة العصرية التي تتفوق على ارقى الأجهزة خلال سنوات قصيرة جدا , فقد كان الرجل عبقريا وذكيا ومخلصا ووطنيا وعميقا وصاحب قرار , وشجاعا لا يهاب , ولا يتردد في قناعاته , وهنا ننشر من مقالنا الذي يتحدث عن إنجازات الرجل خلال سنة وشهرين , ونجد ما يلي مجلة الشرطة العدد 51 محرم 1398هـ. ك 2 1978م
كتب النقيب احمد عويدي العبادي
(1) تسلم اللواء غازي عربيات مهمة مدير الامن العام في 1-11-1976 بهذه وقد ، جاء وهو يجعل من محبة الأردن وخدمته نبراسا يهتدي بها لتنير له طريق البناء، والجد والاجتهاد، والخدمة، وبدأ بذلك عمله على ثلاثة أصعدة. الأول في داخل الجهاز والثاني في داخل الأردن، مع المواطنين والثالث في خارج الأردن مع الدول الصديقة والشقيقة.
(2) بدأ مدير الأمن العام طريقة الباب المفتوح مع كافة الأفراد في الجهاز سواء بالمراجعات الشخصية، في مكتبه، في زياراته، في بيته، في الطريق، أو بالمراسلات حيث يكتبون إليه مباشرة يستمع لشكاواهم ومطالبهم، حتى عرف كل ما لدى الأفراد، وماذا يعانون؟ وعرف ماذا يريدون،
(3) وعرف كيف يكون الحل، الذي كان يتم بعضه بصفة فردية بنفس اللحظة، وبعضه كانت المشاكل المزمنة لا تجعل من حله إلا بطريقة سليمة، بل يجب اجتثاث المشكلة من جذورها وأصلها، ساهم في تسديد ديون بعض الافراد . وآخرون أرسلهم أو أرسل أبناءهم للعلاج هنا، وآخرون نقلهم للخدمة في الأماكن المناسبة التي يطلبونها، حيث يعملون وينتجون أكثر وبطريقة أسلم وبنفسية مرتاحة.
(4) هذا على الصعيد الفردي، وعلى الصعيد الجماعي ثم تساوي كافة العلاوات والرواتب الإضافية بأفراد القوات المسلحة، فتحسنت أحوالهم المادية. كما زار كافة مراكز الأمن العام في سائر أنحاء الأردن ، بمعدل شهري أو كل شهرين مرة، كان يحمل معه للمراكز النائية ما يمكن أن يحتاجوه من مؤونة ومكافآت أخرى لكل واحد،
(5) وهو يقول لهم: أريدكم أن تعملوا، وتجدوا، وتخدموا كل ذرة تراب، وكل مواطن، وكل ضيف، من أجل أن يبقى بلدكم، بلدنا رافع الرأس، شامخ البنيان في كل شيء، سواء بسمعته أم بهمة رجاله وصوتهم وعزيمتهم.
(6) وأمر أيضا بتزويد المراكز بما تحتاجه من أثاث، ووسائل ترفيه، ومولدات الكهرباء التي لا تتوفر الكهرباء فيها، وخاصة المراكز النائية، فأصبح يوجد في كل قسم جهاز تلفزيون، وثلاجة ومولد كهرباء، ومذياع، ووسائل الترفيه الضرورية
(7) وهو يقول: لكي نطلب منكم أداء الواجب، فيجب أن نوفي بالتزاماتنا تجاهكم، ويستقبل اللواء عربيات في مكتبه كل يوم خميس كافة الأفراد الذين يرغبون مقابلته وما خرج أي واحد قابله، إلا وكانت مشكلته محلولة إذا كان ممكنا، ثم رأى أن يتحمل هو مشقة السفر بدلا من الأفراد، فقام بتخصيص يوم في كل شهر لكل مديرية شرطة يقابل فيها الأفراد هناك، يذهب إليهم بدل أن يأتوه إلى مكتبه بعمان.
(8) وبذلك استطاع بهذه الإجراءات الأبوية المسؤولة أن يبدل ما في نفسيات الجنود ، وأن يغرس فيهم حب الاستمرار في الخدمة، فكانت هذه الإجراءات جرعة جديدة وقوية للانطلاق إلى الأمام. فارتفعت معنوياتهم، وشعروا بالارتياح، وأن هناك من يرعاهم ويعيش معهم ويشعر معهم، فانصرفوا لأداء الواجب بحماس، وانتماء. وارتفع بذلك مستوى الأداء والخدمات على كل صعيد.
(9) وأمن اللواء عربيات أن هذه الإجراءات لابد لها من حفظ الاستمرارية، فوضع نظام الحوافز والدوافع الذي بموجبه يتم اختيار رجل الشرطة المثالي في كل مجال شهريا، على مستوى الأمن العام، وعلى مستوى مديرية الشرطة، لاؤلئك الأفراد الذين يؤدون واجبا يفوق الحد الأعلى المطلوب منهم.
(10) ويتم توزيع هذه المكافأة المادية شهريا من قبل مدير الأمن العام في المديرية لرجل الشرطة الممتاز ومن قبل مدراء الشرطة لرجال الشرطة المثالين ضمن اختصاص مديرياتهم... فأوجد بذلك دفعا جديدا فيه مجال المنافسة بين مختلف الأفراد، وكل واحد يريد أن يحقق لنفسه شيئا من خلال ما يحققه في مجال الواجب والعمل.
(11) واختفت تلك المخالفات التي كان يعاني منها الجهاز وهي –التغيب، والتجاوز والفرار، بعد أن أزيلت الأسباب الداعية إليها ورأى مدير الأمن العام أنه يجب توفير الروافد القوية للجهاز بكوادر مثقفة ومتعلمة جدا من الضباط فتضاعف أعداد المرسلين في دورات للخارج إلى مختلف دول العالم في مختلف المجالات والاختصاصات.
(12) وأمر بوضع مشروع جديد وهو إيفاد ضباط إلى الجامعات للحصول على الماجستير والدكتوراه بمعدل ستة ضباط في كل عام، كل ذلك يسير حسب نظام عادل ودقيق حسب الاقدمية وتوفر المواصفات التي يجب توفرها بالضابط المرسل.
(13) كما استقبلت معاهد الأمن العام دورات جديدة في اختصاصات متعددة وكثير منها جديدة، واستقبلت أيضا الأخوة العرب للمشاركة في هذه الدورات، أيمانا بأن تأهيل رجل الشرطة العربي إنما هو واجب قومي في المساهمة بخدمة الإنسان العربي، ومكافحة الجريمة.
(14) وتم استملاك العديد من قطع الأراضي في أماكن مختلفة من البلاد وذلك لبناء مراكز للشرطة عليها، كما تم إضافة أجنحة جديدة إلى العديد من البنايات وخاصة في مديرية الأمن العام، علاوة على التأثيث المناسب للمديرية ونادي الضباط، ومكاتب مدراء الشرطة ضمن خطة شاملة لتأثيث كافة مكاتب الشرطة بما يناسبها
(15) واستبدال المكاتب بما يجعل مظهر رجل الشرطة، ومظهر مكتبه وبنايات المراكز تجعل المواطن منذ اللحظة الأولى يشعر أنه في رحاب جهاز محترم ومهذب، وراقي، فالهندام والمظاهر لها أهميتها في عصرنا الحاضر.
(16) وعلى الصعيد الداخلي للجهاز أيضا تم استقدام الدراجات الجديدة لاستعمالها في شؤون المرور، والسيارات الحديثة لاستعمالها في مختلف المجالات الشرطية في الجهاز.
(17) ولا ننسى تسليم الضابط سيارات فولكس فاجن لاستعمال الواجب والاستعمال الشخصي، فأصبح الضابط يشعر بالارتياح، ويتحرك بسرعة، ولا يقف على قارعة الطريق طويلا بانتظار سيارة مدنية أو عسكرية، وصدر نظام جديد لاحتواء استعمال سيارات الرادار الحديثة التي تم تسلمها كهدية من ألمانيا الاتحادية، لتأدية الواجب على مختلف الطرق بالمملكة.
(18) وفي مجال الإسكان أمر مدير الامن العام باستخدام نظام جديد يمكن بموجبه منح قروض الإسكان لضباط الصف بدون فوائد، وتم التوزيع للمتقدمين حسب القرعة ضمن اجتماع مدراء الشرطة والإدارات.
(19) كما أن نظام الإسكان للضباط أصبح كما هو لدى زملائهم ضباط القوات المسلحة تقريبا.
(20) وفي مجال التشجيع عدا عن الحوافز والدوافع، نجد أن اللواء عربيات كان يمنح فورا مكافئات مادية مجزية لأي مواطن يساهم في اكتشاف الجريمة، أو لأي شرطي قام بهذا العمل رغم أن ذلك من واجب هذا الشرطي، كما أن مدير الأمن العام لم يتوانى عن الأمر بنشر الثناءات لكل الذين عملوا بالواجب بإخلاص وكتب لاستصدار القرارات لمنح البعض منهم أوسمة تقديرا لهم على خدماتهم.
(21) وعمل مدير الأمن العام أيضا من خلال إيمانه بواجبه، وإخلاصه للاردن أن وضع الرجل المناسب في المكان المناسب.
(22) فنجد مثلا ضمن اختصاص شرطة البادية ينقطع دابر التهريب خلال أشهر في باديتنا الأردنية، حيث عيون صقورنا البواسل رجال شرطة البادية الذين طاردوا المهربين، وألقوا القبض عليهم، وصادروا مهرباتهم وكان مدير الأمن يشكرهم على هذا بنفسه، ويكافئهم، فولى المهربون الأدبار.
(23) وفي مجال الترخيص: تنظيم جديد في كل شيء بإنجاز المعاملات بسرعة ووضع لجان من الشرطة النسائية لفحص الإناث وتنظيم دور الفحص، وترتيب كل شيء، فإذا دخل الشخص عرف كيف يصنع دونما دليل أو فوضى واستقدمت أحدث الأجهزة لفحص الآليات والمركبات، وآلات حفظ المعاملات، ولم يعد هناك أي تذمر من تأخير معاملة، أو التوسط فلان، وعلان-وإنما عدالة ومساواة، وأخذ الحق بجدارة.
(24) وفي مجال الإمداد والتجهيز: -تم استقدام أحد الإثاث كما وسيتم استقدام أحدث المطابع أيضا خلال العام القادم.
(25) وفي مجال اللقاءات، كان لمدير الأمن العام لقاءات مستمرة مع كافة المرتبات يشرح إليهم بوضوح إمكانات الجهاز وما يتطلبه الواجب، ويستمع لما يريده الأفراد وتكون النتيجة في النهاية لصالح الجميع، ولصالح الجهاز والوطن.
(26) وفي مجال تطوير كلية الشرطة نجد الاتصالات مع الجامعة الأردنية ليصبح التلميذ في كلية الشرطة الملكية تلميذا في الجامعة، ويحصل بعد التخرج ضمن المدة المطلوبة على شهادة البكالوريوس في علم الإدارة والعلوم الشرطية، وبذلك يصبح ضباط الشرطة على مستوى من العلم والثقافة يؤهلهم لتقديم مزيد من الخدمات للمواطنين، ويؤدون واجبهم بفاعلية أكبر.
(27) كما أن دورة جديدة لضباط شرطة السير وكلهم جامعيون تعقد مع بداية هذا العام 1978 ليكونوا ضباطا متخصصون في شؤون المرور. بينما عقدت دورة جديدة لمرشحي الشرطة من حملة التوجيهي أيضا.
(28) واستقبلت الكلية دورة جديدة لضباط من دول الخليج العربي. بينما استقبلت مدرسة الشرطة النسائية دورة جديدة من الشرطة النسائية السورية لتكون النواة الأولى في هذا المجال هناك.
(29) وكانت جهود اللواء غازي عربيات أن يصبح الجهاز على أعلى مستوى يمكن أن يكون عليه وأن يأخذ دوره الحقيقي في مجال الخدمة والتنمية والبناء..
(30) وفي المجال الثاني داخل الأردن وصلت علاقات الجهاز بالمواطنين إلى أحسن ما يجب أن تكون. وما علينا إلا أن نستمر على هذا النهج القويم، فهناك الندوات واللقاءات المفتوحة سواء عبر اللقاءات الفردية والجماعية أم الندوات التلفزيونية، وهناك دورات أصدقاء الشرطة المستمرة لطلاب وطالبات المدارس لإطلاعهم على دور رجل الشرطة في خدمتهم والعلاقة بين الطرفين، وكيف يجب أن تكون، وهناك الأسلوب اللطيف الذي يعامل به رجل الشرطة المواطن.
(31) وهناك المشاركة في أفراح وأتراح المواطنين بالقدر اللازم. كما تم فتح مراكز جديدة للشرطة حيث يقتضي الأمر، وإلغاء مراكز أخرى حيث لا حاجة لوجودها.
(32) واما العلاقة مع خارج الأردن : فان الجهاز زمن اللواء عربيات صار يمارس دوره الوطني والقومي في مجاله واختصاصه انطلاقا من المبادئ القائمة في دعم كل جهد عربي من أجل مصلحة الإنسان العربي،
(33) وقد اشترك مدير الأمن العام بالمؤتمر الخامس لقادة الشرطة العرب الذي عقد في نيسان 1977 بالرياض، وحظيت ورقة العمل التي قدمها إلى المؤتمرين بالاحترام والتصفيق، والأخذ بها في مقرراتهم لما حوته من حرص على مصلحة المواطن العربي، وبواقعية واتزان. كما كان جهاز الأمن العام الأردني أكثر الأجهزة تطبيقا لمقررات مؤتمرات قادة الشرطة العرب.
(34) واشترك اللواء عربيات في ندوة مدراء الأمن العام العالميين التي عقدت بالولايات المتحدة. وندوة المعدات الشرطية التي عقدت بلندن، وأجرى مباحثات لاستقدام أحدث ما توصل إليه العقل البشري في مجال العلوم الشرطية.
(35) كما اشترك مندوبون عن الجهاز في مؤتمرات عربية وعالمية عقدت خارج الأردن في أماكن مختلفة من العالم. واستقبلت معاهد الشرطة الأردنية ضباطا وتلاميذ مرشحين وضباط صف وأفراد للاشتراك في دوراتها، وجاء هؤلاء الأخوة من دول الخليج العربي الشقيق.
(36) وأوفد ضباط في بعثات مختلفة للتعلم والدورات، والعمل وهكذا كان هذا العام 1977 حافلا بالعمل الدؤوب والقرارات المتزنة الهادئة، وكان ذلك عمل من أعمال جندي مخلص من جنود الأردن العظيم.
(37) ونأمل أن يبدأ العام الجديد 1978 ويستمر بالإنجاز والبناء بإذن الله تعالى، (وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون). صدق الله العظيم.