في رسالة مؤثرة وجهها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل، قال: «إن وصلتك صباحًا فصباح الخير، وإن وصلتك مساءً فمساء الخير يا أبا جدعان». هذه الكلمات الخالدة كانت موجهة إلى البطل الأردني مصطفى وراد الخرشة، المعروف بـ "أبو جدعان"، الذي قدم أروع الأمثلة في الشجاعة والبطولة خلال معركة اللطرون الشهيرة.
أبو جدعان، الذي واجه القوات الإسرائيلية في معركة لا تُنسى، بقي صامدًا في موقعه على الرغم من الجراح التي أصيب بها. نجح في تدمير أربع دبابات إسرائيلية قبل أن يتم أسره. وبعد أربعة شهور في الأسر، استقبله الملك الراحل الحسين بن طلال، قائلًا: «أهلًا برافعي رؤوس الأردنيين والعرب».
أبو جدعان هو رمز من رموز الجيش العربي الأردني، خاض معارك الكرامة والدفاع عن القدس، وظل شامخًا، يمثل قصة من قصص البطولة التي لم تحظ بالقدر الكافي من التوثيق والوفاء، رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها في تاريخ الأردن العسكري.
مصطفى وراد الخرشة، أو "أبو جدعان"، ولد في قرية أم الينابيع في لواء المزار الجنوبي بمحافظة الكرك عام 1933. التحق بالخدمة العسكرية في الجيش العربي الأردني عام 1952، حيث شارك في العديد من المعارك التي تركت بصمات خالدة في تاريخ الأمة. ومن أبرز هذه المعارك كانت حرب حزيران عام 1967 ومعركة الكرامة.
في معركة اللطرون، التي تعد واحدة من أشرس المواجهات بين الجيش العربي والقوات الإسرائيلية، أبدى أبو جدعان شجاعة استثنائية على الرغم من شراسة القتال. كانت الطائرات والمدافع الإسرائيلية تحاول إحباطه، لكنه ظل متشبثًا بمدفعه حتى تمكن من تدمير أربع دبابات إسرائيلية، وهو إنجاز لم يكن له مثيل في تلك المعركة.
بعد أن تم أسره، أصر قائد الجيش الإسرائيلي، موشيه دايان، على مقابلته شخصيًا. كانت المقابلة حدثًا بارزًا في الصحافة الإسرائيلية آنذاك، حيث تحدث أبو جدعان بجرأة عندما قال لديان: «ترجم يا مترجم، وأسمع يا أعور، جيشك جبان، إلك عندنا يوم، والحرب كر وفر، واليوم إلك وبكرة عليك». كلماته كانت تحمل روحًا من التحدي والكرامة، انعكاسًا لقوة إرادة الجيش العربي الذي رفض الاستسلام حتى في أصعب اللحظات.
بعد أربعة أشهر من الأسر، تمت عملية تبادل أسرى استعاد خلالها أبو جدعان ورفاقه حريتهم. استقبلهم جلالة الملك الحسين بن طلال في قاعدة المفرق العسكرية بحفاوة بالغة، قائلًا لهم: «أهلًا برافعي رؤوس الأردنيين والعرب»، ليعود أبو جدعان بعدها إلى كتيبته الشهيرة، "أم الشهداء"، وهي الكتيبة التي قاتلت ببسالة دفاعًا عن أسوار القدس في واحدة من أعظم معارك الجيش العربي.
تقاعد أبو جدعان من الخدمة العسكرية في يونيو 1973، بعد حياة مليئة بالإنجازات العسكرية والدفاع عن الوطن. واليوم، يعيش هذا البطل الأردني كغيره من أبطال الجيش العربي في سنوات عمره المتقدمة، لكن قصص بطولاته تظل خالدة في ذاكرة الوطن، تستحق أن تُروى وتُخلد كجزء من إرث الأردن الحافل بالشجاعة والعزيمة.