نشعر أحيانًا بشيء من الغربة وسط زحمة العالم الحديث، حيث تطغى المظاهر الكاذبة ويعصف بنا سيل من التناقضات والنفاق... الحنين إلى الماضي، إلى تلك الأيام التي كانت تتسم بالأصالة والبساطة، يكاد يكون شعورًا مشتركًا بيننا جميعًا... لم يكن الماضي مجرد فترة زمنية، بل كان عالمًا تسوده قيم الصدق والمروءة، عالمًا لم يتلوث بالتفاهات ولا بالنميمة والغيبة التي باتت تحاصرنا اليوم من كل اتجاه.
كنا نعيش في ظل قيم سامية، حيث كانت العلاقات الإنسانية مبنية على الصدق والوضوح، لا على المصالح المخفية والوجوه المتعددة... كان للجيرة معنى، وللصداقة طعم، وكان الحديث من القلب إلى القلب، لا خلف شاشات الهواتف المضيئة أو في عالم التواصل الاجتماعي المليء بالمجاملات الزائفة.
أما عالمنا اليوم، فيبدو وكأنه يقودنا إلى هاوية من الضياع... عالم تتفوق فيه المظاهر على الجوهر، حيث أصبح النفاق سلوكًا اجتماعيًا مقبولًا، بل وأحيانًا مطلوبًا للبقاء... يتم تشويه القيم النبيلة بشكل مستمر، ليصبح النجاح مرتبطًا بمدى القدرة على تلميع الصورة لا بما في داخل الشخص من مبادئ.
نشعر بالحنين إلى عالمٍ أبسط، حيث كان للأمانة والاحترام مكانة رفيعة، وحيث لم يكن الناس يتسابقون لإخفاء حقيقتهم خلف قناع زائف... الحنين ليس إلى زمن محدد فقط، بل إلى شعورٍ بالنقاء الداخلي، إلى أيامٍ كان فيها الخطأ يُعترف به ويُصلح، لا يُبرر أو يُغلف بأعذار واهية.
إن هذا العالم الذي نعيشه اليوم، بتفاهاته ونفاقه، هو انعكاس لتحولات اجتماعية وثقافية أفسدت الجوهر الإنساني، فأصبحت الكلمة الطيبة نادرة، والموقف الصادق مفقودًا... الحنين إلى الماضي هو حنين إلى الأصالة التي فقدناها، إلى إنسانيتنا التي أضعناها في هذا الزخم المادي والاستهلاكي.
لكن هل يمكننا استعادة تلك القيم؟ أم أن عجلة التغيير قد دارت إلى حد لا رجعة فيه؟...