في الصباح الباكر من عام 1926، استبشر الشيخ بخيت العطين بميلاد أصغر أبنائه، الذي اختار له اسم "فلاح"، متوقعًا أن يكون رمزًا للفلاح والنجاح. لم تكن هذه التسمية مجرد صدفة، فقد نشأ فلاح في بيت عشائري يحمل عبق الماضي وعراقة البادية، حيث كبر وهو يدرك حجم المسؤولية التي تنتظره.
طفولة ملأتها المشاق والتحديات، فحين كان فلاح في سن مبكرة، عهد به والده إلى معلم في بلدة الرمثا، وهي رحلة لم تكن سهلة. كان يسير يوميًا على الأقدام من منطقة السرحان إلى الرمثا ليحظى بالتعليم في زمن كانت فيه الكتب والكتاتيب قليلة. في تلك المسافات الطويلة، شكلت الطبيعة وعيه المبكر بأن الوصول إلى النجاح ليس طريقاً سهلاً. حفظ القرآن الكريم وبدأ يتلمس طريق العلم، متشبثًا بإيمان راسخ بأن "كل شيء نفيس.. يطول طريقه ويكثر التعب في تحصيله."
عند بلوغه سن الثالثة عشرة، التحق الشيخ فلاح بقوة البادية الأردنية عام 1939، في أول خطواته نحو العسكرية. تم اختياره كتلميذ مرشح بسبب إتقانه للقراءة والكتابة، وهو إنجاز نادر في زمنه. تخرج برتبة ملازم ثاني وانضم إلى كتيبة الحرس الثالثة. لم تكن الحياة العسكرية مجرد مهنة لفلاح، بل كانت مدرسة حقيقية، تعلم فيها الصبر والانضباط وتحمل المسؤولية.
في عام 1953، انتقل الشيخ فلاح إلى محطة جديدة في مسيرته، حين تم اختياره لتنظيم الجيش اليمني بحضرموت برفقة زملاء أردنيين، في مهمة تاريخية للمساعدة في توحيد الصفوف وحل النزاعات بين القبائل. كانت تلك التجربة نقلة نوعية في حياته، حيث اكتسب مكانة واحترام القبائل اليمنية بفضل قدرته على حل المشكلات بالحكمة والتسامح.
بعد مسيرة عسكرية حافلة، قرر الشيخ فلاح العطين التقاعد عام 1967، ليكرس حياته لخدمة عشيرته بعد وفاة والده. لم تكن العشيرة مجرد إطار اجتماعي بالنسبة له، بل كانت عائلته الممتدة التي تستحق كل جهده ووقته. ترأس أول مجلس قروي في بلدة الخالدية ثم استمر في إدارة البلدية لعدة دورات، مقدمًا خدماته لأهالي منطقته بكل إخلاص.
الشيخ فلاح العطين لم يكن مجرد شيخ عشيرة، بل كان رمزًا للتضحية والعطاء. كان يحظى بمكانة مرموقة لدى الديوان الملكي الهاشمي، وتربطه علاقة وطيدة مع الملك الحسين، رحمه الله، وسمو الأمير الحسن بن طلال. كانت تربطه بهما روابط الثقة والتقدير، حيث شاركهما في العديد من اللقاءات والرحلات التي جابا فيها الصحراء الأردنية.
في حياته، كان فلاح يسهر على إصلاح ذات البين، ويترأس الجاهات العشائرية لحل الخلافات، فقد كان قاضيًا عشائريًا تلجأ إليه العشائر من مختلف أنحاء الأردن وبلاد الشام، وبيته كان مأوىً للمحتاجين ولمن لجأ إليه طلبًا للسلام.
رحل الشيخ فلاح بخيت العطين في عام 2013، لكنه ترك وراءه إرثًا لا ينسى. عائلته، التي كبر بها أبناؤه وأحفاده، يواصلون اليوم مسيرة العطاء التي بدأها.
المرحوم عضوب ومحمد ومنصور وعبدالمهدي العميد محمد، الشيخ الحالي للعشيرة، والإعلامي غازي، والباشا الدكتور فارس والدكتور عمر، وغيرهم، جميعهم يحملون اسم الشيخ فلاح بكل فخر واعتزاز، حاملين رسالته في خدمة العشيرة والوطن.
الشيخ فلاح العطين كان رمزًا للأصالة الأردنية، ومنارة حكمة وتسامح لكل من عرفه. سيبقى اسمه محفورًا في ذاكرة التاريخ، كشخصية قدمت الكثير للعشيرة والوطن، وجعلت من كل يوم صفحة ناصعة من صفحات التضحية والفداء.