عبيدات يكتب "
عيد الفلاحين " موسم قطاف الزيتون في الأردن
نيروز
– بقلم الكاتب والإعلامي محمد محسن عبيدات
يعد موسم قطاف ثمار أشجار الزيتون في الأردن لدى
مختلف الأسر الأردنية الريفية بمثابة مؤتمر أسري وعرس وطني وأطلق عليه قديما بـ
" عيد الفلاحين"، يجتمع فيه كافة أفراد الأسرة الصغير والكبير على قطاف ثمار
الزيتون في أجواء من الفرح والسرور والمتعة، بعيدًا عن الروتين اليومي داخل المنزل،
من أعمال وواجبات مختلفة تناط لكل فرد في الأسرة، مرتبطة بأنظمة وتعليمات مشددة وقاسية
عند التنفيذ.
موسم قطاف
ثمار الزيتون صورة من أجمل صور التعاون والتعاضد والمحبة والمودة بين أفراد الأسرة
الواحدة. موسم قطاف الزيتون في الأردن " عيد الفلاحين" يبدأ في منتصف شهر
تشرين الأول بعد نزول أمطار الخير في نهاية شهر أيلول وينتهي في نهاية شهر كانون الأول
من كل عام ولمدة شهرين ونصف.
المزارعون
الأردنيون يعتبرون هطول أمطار الخير في نهاية أيلول إذنًا ربانيًا ببدء قطاف الزيتون
حيث تكون الأشجار نظيفة من الغبار والأتربة وحبات الزيتون مشبعة بالزيت وناضجة، وكذلك
يعد موسم قطاف الزيتون هو موسم الخير والبركة لدى الأسر الأردنية الريفية، حيث تعتمد
معظم الأسر في زيادة وتحسين دخلها الاقتصادي السنوي على ثمار الزيتون وزيت الزيتون،
من خلال إنتاج المزرعة أو من خلال العمل لدى أصحاب مزارع الزيتون وضمان كميات من الاشجار
مقابل الأجر أو مقابل الثلث أو الربع من إنتاج الزيت المستخرج من الزيتون.
الأسر
الريفية التي تمتلك أراضي قليلة مزروعة بأشجار الزيتون، تكون فترة القطاف لديها اياما
معدودة لا تتجاوز الأسبوع تقريبا، بينما الأسر التي تقوم بضمان كميات كبيرة من مزارع
الزيتون تستمر بالقطاف خلال موسم القطاف الكامل من بدايته وحتى نهايته ومن ثم تستمر
هذه الأسر بعملية القطاف إلى أواخر شهر كانون الثاني بما يسمى” التفتيش” ويقصد هنا
تفقد أشجار الزيتون من الثمار المتبقية بعد عملية القطاف الرئيس، حيث تكون حبات ثمار
الزيتون وصلت إلى حالة من الإشباع وحجمها كبير بعد أن كانت صغيرة في بداية الموسم ومنها
ما لم يتم الوصول إليه وعدم رؤيته.
يسود فترة
قطاف ثمار الزيتون أوقاتٌ جميلة من المرح والسرور، تخيم على المكان أثناء عملية القطاف،
ويكون فيها رب الأسرة بمثابة الحكواتي، حيث يطول الحديث عن الذكريات الجميلة، والأحداث
التي وقعت في تلك الفترة، وتحديدًا فيما يتعلق بأفراد الأسرة فردًا فردًا، ومن الحديث
ما هو حقيقي ومنه ما هو خياليّ، ويستمر الحديث لساعات وساعات حتى لا يشعر أفراد الأسرة
بالملل أو التعب أثناء القطاف، ويسود أيضًا أجواء قطاف ثمار الزيتون، التراشق بحبات
الزيتون حيث يقوم الشباب بالصعود أعلى الشجرة لقطاف الحبات البعيدة التي يصعب الوصول
إليها عن طريق السلم، ليتم رشق البنات أو الصغار بحبات الزيتون من باب المرح والسرور
وعدم الشعور بالوقت.
من أجمل ما يميز موسم قطاف ثمار الزيتون تناول طعام
الإفطار والغداء في الطبيعة الخلابة وعلى التربة الحمراء. وتُصنع الأكلات الشعبية تحديدًا
في مثل هذه الأيام كالمنسف بالبرغل أو الكباب المهبل، أو صواني الدجاج بالبصل” المسخن”
والخبز البلدي والمشروبات الباردة المتنوعة، وبعدها يتم تجهيز الشاي والقهوة على الفحم
مع وقت غروب الشمس، وهو أجمل وقت يمر على الأسرة في يوم القطاف وفيه نوع من الجمال
الخلاب وسحر المكان. ينتهي قطاف ثمار الزيتون يوميًا بعد سماع أذان المغرب، حيث يتم
جمع ثمار الزيتون عن الأرض والمفارش ووضعها داخل أكياس مختلفة، ونقلها إلى مكان مخصص
لجمع الثمار للحفاظ على جودتها حتى الانتهاء من جمع كافة الثمار ونقلها إلى مرحلة عصر
الثمار، وتبقى المواد الأخرى التي تستخدم للقطاف في مكانها داخل المزرعة ومفرودة وجاهزة
للبدء مباشرة في القطاف في صباحية اليوم الثاني بكل شوق وحماس ومعنوية عالية.
بعد الانتهاء
من جمع ثمار الزيتون يتم نقلها إلى المعصرة، ومن ثم الحصول على كميات من زيت الزيتون،
يخصص جزء منها مونة للأسرة خلال العام والزائد عن حاجة الأسرة يتم بيعه والاستفادة
من ثمنه لتلبية مطالب أفراد الأسرة، من مختلف المواد والسلع الضرورية التي يحتاجون
إليها، وتعويضهم عن الجهد المبذول من قبلهم في عملية القطاف كنوع من الشكر والتحفيز
والتشجيع على العمل في كل موسم قطاف.
إن العديد من الأسر الأردنية الريفية تعتمد اعتمادا
كبيرا على محصول زيت الزيتون في زيادة دخل الأسرة الاقتصادي، حيث يتم من خلاله تأمين
المنزل بكافة احتياجاته الأساسية قبل الدخول في فصل الشتاء الذي يحتاج إلى مصاريف عالية
جدا ناتجة عن التدفئة والمصاريف المختلفة من المواد التموينية والغذائية وغيرها.