يودع الأردن، ولا اقول بني صخره او الكعابنة، أو بني محمد أو الخرشان او الحنيف وحدهم، وهذا تسلسل يعرفه الصخور) ويحزن الشرفاء الذين يعرفونه، والكرماء الذين بيجلونه والفقراء الذين يفقدونه والارامل اللواتي كان لهن الحا والايتام الذين كان لهم ايا. والرجال الذين بناهم والصغار الذين تجاوز عنهم، والباطنيون الذين حاولوا النيل منه قبقي عملاقا طودا شامخا كشموخ رم وشيحان وجلعاد وعجلون والموقر، إلى ان التي لقي وجه ريه. نودع رجلا يانس به القبر، وتستوحش الفراقه رجل احب الله فاخذه الله إلى جواره.
واحبه الناس وفقدوا فيه الوجه السمح والابتسامة الناجحة، والكلمة الصادقة والجرأة التي قل ان توجد لدى رجل انه مدرسة للرجال، وسيف الحماية ذوات الحجال ابن حديثة الخريشة، وابو الشايش ابن الرجال وأبو الرجال وشقيق الرجال.
عندما يذكر نايف الخريشة اعود بذاكرتي الى عام ١٩٥٤ عندما كنت في الثاني الابتدائي طفلا بدويا مع اهلي في بيت شعر، ونزل عندنا فريق من الخرشان، فاحتفى بهم العبابيد ايما احتفاء لانهم ابناء عم. وكان والدي يحدثني عن العمومة بين عباد وبني صخر، وعن ذكاء حديثة الخريشة ووطنيته ومواقفه المشرفة وتقواه ونزاهته.
وبقيت هذه الصورة تتكرر من والدي وكبار الناس من حولي الى عام ١٩٧٣ عندما كنت نقيبا بالامن العام ورئيسا للشرطة القضائية في شرطة الضواحي والبادية الوسطى، حيث اتيح لي ان التقي نايف حديثة الخريشة لاول مرة في بيت شخص لا اذكره في سحاب. وكنت حينئذ سمعت عن مهابته وصرامته ووطنيته واصالته ما جعلني اتوق لسماعه.
استمعت في اول لقاء به إلى حديثه في تاريخ الاردن والعشائر والظروف السياسية، بما يفوق عشرات المرات نضجا ما نسمع ونقرأ من تحليلات ممن ادعوا العلم والثقافة. وبقيت تلك الصورة ناصعة في ذهني، وترسخت تلك التي سمعتها عن والدي.
وبحكم عملي في شرطة البادية الوسطى التقيت نايف الخريشة مرات عديدة، كان شديدا على الطغاة، رحيما بالضعفاء، ينظر إلى الأعلى والامام ولا ينظر بين الدمية، وهذه صفات تجعلني أحب هكذا رجال.
وفي عام ۱۹۸۰ و ۱۹۸۱ التقيته مرات عديدة اثناء تحضيري لرسالة الدكتوراة في العلوم الاجتماعيةوالسياسية في جامعة كيمبردج ببريطانيا، وكنت اشعر انني امام استاذ جليل مثقف ثقافة تفوق ما نقراء في الكتب ونشأت بيننا صداقة عميقة استمرت حتى لقي وجه ربه.
وعندما قرأت الاف الوثائق عن العشائر والاردن، اثناء دراساتي عرفت من هو حديثة الخريشة ونايف الحريشية رجال وطنيون لا.
يادتون ولا يكذبون ولا يجدعون ولا يتعلقون فرسان في اللقاء فرسان في الصداقة فرسان في العداوة لا يعرفون الحياء في الحق، وكلهم حياء فيما يخص اعراض الناس واسرارهم انها صفات المؤمنين الصادقين.
عرفت حديثة ونايف ودورهما العظيم في بلورة ودفع مسيرة الحركة الوطنية الاردنية منذ العشرينات إلى الآن، والتقينا معا في الخندق الوطني في الحركة الوطنية الاردنية منذ عام ۱۹۸۳ والى الان وانا انظر اليه كاستاذ عظيم، وعملاق عظيم يستحق ان يكون من ضمن مناهجنا الدراسية.
وعندما نفقده، فان فكره وطيفه وبهاءه يبقى ماثلا وعظيما، لان الموت يعني نهاية الجسد وبدء تحول الفكرة إلى بذرة ومنها الى شجرة نتفيا ظلالها ونأكل ثمارها .
وعندما تكالبت عليه واحاطت به المؤامرات والمحاولات بقي نايف حديثة الخريشة عظيما صابرا محتسبا ابيا عصيا متمردا على جميع صنوف القهر في كل مكان من الكرة الارضية، عونا لكل محتاج او مظلوم فبيته ملاذ المظلوم وقلبه ملاذ المضيوم.
عاش شريفا نظيفا وبقي كذلك واورث لاولاده واحفاده هذه الانفة والايمان بالاردن والاردنيين والسير في الحركة الوطنية الاردنية وكذلك تعلمنا منه، فالى جنة الخلد يا ابا الشايش...