لم نُخلق عبثًا، ولم نُرسل إلى هذه الأرض لنعبث فيها نفسدها أو ندمّرها. بل كان الهدف الأسمى من وجودنا هو الإعمار، ونشر المحبة. ولكننا اليوم نجد أنفسنا في عالم تحكمه الفوضى، حيث الغش والفساد والخراب باتت قواعد يُسير بها الناس حياتهم، بينما تُركت القيم الإنسانية تُصارع للبقاء. لماذا هذا الانحدار؟ لماذا تنازلنا عن مبادئنا؟
القيم الإنسانية لم تكن يومًا مجرد شعارات، بل هي الركيزة التي تبني المجتمعات وتحافظ على توازنها. قيم كالصدق، العدل، والمحبة هي ما يجعل الحياة جديرة بأن تُعاش. لكنها اليوم أضحت في الهامش، مغيبة تحت وطأة المصالح الشخصية والجشع. لقد طغت المادة على الروح، وأصبح النجاح يُقاس بما يملكه الإنسان لا بما يحمله من أخلاق.
الخلل يبدأ حين تغيب القدوة الحقيقية، حين تُروّج النماذج الفاسدة كرموز للذكاء والنجاح، بينما تُترك الشخصيات النزيهة في الظل. التربية أيضًا لم تعد تُركز على ترسيخ المبادئ، بل انشغلت بملاحقة المتطلبات المادية للحياة. أضف إلى ذلك الإعلام الذي لا يتردد في تمجيد القوة المدمرة وتقديم الفساد وكأنه أمر طبيعي، ليُساهم بدوره في ترسيخ هذه القيم الساقطة.
ورغم ذلك، لا يمكننا أن ننكر أن صوت الأمل لا يزال موجودًا. الحياة ليست رائحة الموت والقهر والخراب، بل هي رائحة الأمل والإعمار والمودة. نحن من نملك الخيار في أن نُعيد ترتيب أولوياتنا، وأن نرفض الاستسلام لهذا الانحدار.
المستقبل ليس قدرًا حتميًا، بل هو اختيار. فإما أن نترك العفن ينتصر ويطغى، أو أن نُقاومه ونُعيد للحياة جمالها. لنكن نحن التغيير الذي نطمح لرؤيته، ولنكن صوت المحبة والعدل الذي يعلو فوق كل أصوات الخراب.