احتجاجات «عنيفة» اندلعت في جورجيا، إثر تأجيل الحكومة محادثات عضوية الاتحاد الأوروبي، واستمرار المنتقدين في «إنكار» نتائج الانتخابات.
أحداث أخذت منعطفاً خطيرًا في جمهورية جورجيا؛ ففي يوم الخميس، أعلن رئيس الوزراء المعين حديثاً إيراكلي كوباخيدزه أن جورجيا لن «تضع قضية فتح المفاوضات مع الاتحاد الأوروبي على جدول الأعمال حتى نهاية عام 2028، ولن تقبل دعماً للميزانية من الاتحاد الأوروبي حتى ذلك الحين أيضاً».
وفي تاريخ توسع الاتحاد الأوروبي الممتد على مدى ثلاثة عقود إلى أوروبا الشرقية وأوراسيا، حيث تسببت وعود العضوية وعملية التكامل المتقلبة في إرباك المجتمعات، وإسقاط الحكومات، ورفع الآمال ثم تحطيمها، على نحو لم يحدث من قبل مع أي متغير سياسي آخر، فإن هذا الإعلان يعد أمرًا غير مسبوق.
ويقول موقع «ريسبونسبل ستيت كرافت»، إن تصريحات رئيس الحكومة المعين حديثا أدت إلى تفجير «الأزمة المزمنة» التي يعود جذورها، إلى «تسييس» الترتيب السياسي المحلي في جورجيا.
ورغم أن الحكومة والمعارضة سعت منذ فترة طويلة إلى تحقيق تكامل قوي مع الغرب، إلا أن كبار القادة الغربيين فضلوا المعارضة الحالية، وحاولوا الحد من قبضة حزب الحلم الجورجي الحاكم على السلطة أو إنهائها.
وقد تفاقمت حالة التباعد بين الحكومة الجورجية والغرب عندما تعرضت جورجيا، لضغوط شديدة للانضمام إلى العقوبات الغربية على روسيا، وتسليم الكثير من أسلحتها الثقيلة لأوكرانيا، إلا أن جورجيا رفضت الانضمام إلى نادي العقوبات، خوفًا على أمن بلدها، وللحفاظ على استقراره الاقتصادي.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن جورجيا قاومت ما اعتبرته تغييرًا بطيئًا للنظام، من خلال تمرير تدابير مثيرة للجدل هذا العام من شأنها أن تلزم المنظمات غير الحكومية الممولة من الخارج بالكشف عن سجلاتها المالية.
وقد أدت هذه الخطوات إلى توسيع الفجوة بين جورجيا والغرب، مما أثار احتجاجات واسعة النطاق من قبل الجورجيين المؤيدين للاتحاد الأوروبي في عامي 2023 و2024.
وكانت أحدث موجة من الاحتجاجات، التي جاءت بعد الانتخابات الأخيرة التي تدعي المعارضة (ولكنها لم تتمكن من إثبات ذلك) أنها شابتها تزوير.
وبعد ساعات من إعلان كوباخيدزه، تجمعت الحشود للاحتجاج في تبليسي ومدن أخرى، وكانت أكثر غضباً وعنفاً من المعتاد، مما استدعى حملة قمع أشد من جانب الشرطة.
ولقد أعلنت الرئيسة المعارضة سالومي زورابشفيلي، التي تنتهي ولايتها هذا الشهر، أنها تنوي البقاء في منصبها وجمع قوات المعارضة في مجلس للتحضير للاستيلاء على السلطة من الحكومة التي نددت بها باعتبارها غير شرعية.
وقد استقال العديد من السفراء الجورجيين، في حين وقع مئات الموظفين في الوكالات الحكومية على رسائل احتجاج. ودعا وزير سابق الجيش للدفاع عن الشعب. ووصف «ريسبونسبل ستيت كرافت» الأزمة الأخيرة، بأنها بمثابة زلزال شديد ضرب جورجيا.
وكان الاتحاد الأوروبي أعلن في يونيو/حزيران، أنه «سيوقف» انضمام جورجيا إلى أجل غير مسمى، مستشهداً بقوانين الأخيرة بشأن التمويل الأجنبي للمنظمات غير الحكومية و«حماية القيم العائلية والقاصرين» كأسباب، مؤكدًا أنه سيلغى 121 مليون يورو من دعم الميزانية.
يأتي ذلك، فيما حرص كوباخيدزه على التأكيد على أن جورجيا سوف تستمر في تبني الإصلاحات التي تم الاتفاق عليها بالفعل مع الاتحاد الأوروبي، إلا أنه في اليوم التالي، تراجع عن الأمر إلى ما هو أبعد من ذلك، قائلاً إنه إذا عرض الاتحاد الأوروبي إطلاق مفاوضات الانضمام، فسوف يوقع في نفس اليوم.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن خطوة جورجيا، تقلب الطاولة على علاقة كان الاتحاد الأوروبي عادة هو المتحكم فيها، مشيرًا إلى أنه ربما كان وقف الحكومة الجورجية لعملية الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي عملاً رمزياً لا يترتب عليه عواقب مادية، لكن الرمزية تشكل أهمية كبرى في العلاقات بين الغرب ودول مثل جورجيا.
ولقد وصف كوباخيدزه مأزق جورجيا بأنه «ابتزاز» من جانب الاتحاد الأوروبي: حيث جعل بدء مفاوضات الانضمام ودعم الميزانية مشروطاً بتخلي جورجيا عن عناصر أساسية من سيادتها.
وتبنى البرلمان الأوروبي في نفس اليوم قراره الأخير بشأن جورجيا، والذي دعا فيه إلى إعادة الانتخابات تحت إشراف الاتحاد الأوروبي وليس منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، فضلاً عن فرض عقوبات وتجميد أصول قائمة طويلة من المسؤولين والقضاة الجورجيين.
وذهب المقرر الدائم الجديد للبرلمان الأوروبي بشأن جورجيا إلى أبعد من ذلك، حيث طالب بإجراء انتخابات جديدة ينظمها المجتمع الدولي، على غرار الانتخابات التي جرت في أفغانستان أو العراق.
وعلى النقيض من ذلك، أصدر الممثل الأعلى الجديد للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي بالاشتراك مع مفوض التوسع بياناً صيغ بعناية، متجنباً إصدار أحكام على الانتخابات ومؤكداً على أن الباب لا يزال مفتوحاً للمحادثات مع الاتحاد الأوروبي.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن النهج الأوروبي المطالب بمزيد من التوغل في السياسة السيادية والحوكمة، ومطالبة البلدان «الضعيفة» بالمستحيل، والضغط وما هو أسوأ من ذلك ــ لن يعيد الشراكة البناءة التي كانت بين الاتحاد الأوروبي وجورجيا، بل سيستمر في تأجيج أزمة البلاد. وكالات