لفت نظري بالأمس أن الحكومة حرصت، بعد استلامها بمائة يوم، على توثيق عدد القرارات التي اتخذتها منذ تكليفها،
وكأنها توجه رسالة مفادها:
(نحن نعمل… احسبوا معنا)
وبذات المنطق، يبدو أنه على الشعب أن يبدأ أيضاً بالعدّ لما تم إنجازه على أرض الواقع.
فالأرقام وحدها لا تكفي؛ بل ما يُعَوَّل عليه هو الأثر والتغيير الذي سيُحْدِثه.
وبالمناسبة، أجد هذا التوجه في الشفافية موفقاً كبداية، لكنه بحاجة إلى متابعة تحقق النتائج.
وكما كان أجدادنا يترقبون موسم الحصاد، متسائلين: "قمحة أم شعيرة؟”، نقف اليوم أمام الحكومة بنفس الفضول.
نتساءل: هل ستكون خطواتها "قمحة” تنضج بالإنجازات، أم "شعيرة” تعكس تحديات قد تطول؟
من الطبيعي أن يحيط الترقب والتوقع بكل حكومة جديدة، خاصة عندما تتولى المسؤولية في أوقات مليئة بالتحديات الاقتصادية والاجتماعية والإقليمية.
وكما كان المزارعون يسقون بذورهم بماء الأمل في انتظار الحصاد، يراقب الشعب اليوم أولى قرارات الحكومة، منتظرين إشارات تطمئن القلوب أو تدعو للمزيد من الصبر.
قرارات الحكومة: قراءة في المشهد
إذا ما حللنا 41 قراراً ومسارات العمل التي اتخذتها الحكومة حتى الآن، نجد أن هناك توجهاً واضحاً نحو معالجة الأولويات الأكثر تأثيراً.
يظهر ذلك من خلال تركيزها على القطاعات الحيوية مثل الاقتصاد، التعليم، الصحة، والاستثمار، مع إعطاء أهمية خاصة للتوجه الجغرافي.
ولكننا ما زلنا بانتظار نتائج ملموسة لهذه القرارات وما سيتبعها من خطوات حاسمة.
التحديات الإقليمية: ضغط إضافي على الحكومة
ما يميز هذه المرحلة أيضاً هو التحديات الإقليمية المحيطة بالأردن، من اضطرابات سياسية واقتصادية في دول الجوار، إلى "الحدود الملتهبة” في المنطقة، والتي تزيد من الضغط على المملكة.
ورغم هذه التحديات، اعتاد الأردن على أن يلعب دور الراعي الحكيم في المنطقة، متبنياً سياسات قائمة على التوازن والاعتدال، مما يضع على الحكومة مسؤولية مضاعفة لتحقيق استقرار داخلي يوازي هذا الدور الإقليمي.
ما المطلوب لتحقيق "القمحة”؟
حتى تتحول توقعات الشعب إلى "قمحة” تنمو وتزدهر، تحتاج الحكومة إلى:
1. إجراءات سريعة وفعالة: تقديم حلول ملموسة للتحديات الاقتصادية والاجتماعية التي يواجهها المواطن.
2. تعزيز دور الأردن الإقليمي: متابعة النهج الرصين الذي يضمن استقرار البلاد وسط محيط متغير.
3. التركيز على القطاعات الأكثر تأثيراً: التعليم، الاستثمار، الصحة، والبنية التحتية كركائز لتحقيق نقلة نوعية.
4. الاستثمار في التنمية المتوازنة: ضمان توزيع المشاريع التنموية والخدمات بشكل عادل على كافة المناطق.
وفوق كل هذا، يتوجب تعزيز الثقة من خلال قرارات تُظهر أن الحكومة قادرة على تجاوز التحديات وترجمة الخطط إلى إنجازات، مع إبعاد الوجوه التي اعتادت الجلوس على الكراسي للرفاهية، بدلاً من التوجه للميدان، كما شاهدنا رئيسها في الميدان منذ استلامه الحكومة خلال الأشهر الثلاثة الماضية.
التوجه الجغرافي كمؤشر رئيسي
القرارات الـ41 تعكس اهتماماً واضحاً من الحكومة بتوجيه مشاريعها نحو المناطق التي تحتاج إلى التنمية، مع الأخذ بعين الاعتبار التفاوت الجغرافي والاقتصادي.
هذا التوجه، إذا تم تنفيذه بفعالية، قد يشكل عاملاً رئيسياً في تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي، ويعزز شعور المواطنين بالعدالة.
الأمل والتفاؤل في الأفق
في ظل هذه الظروف الإقليمية والمحلية، يبدو أن حكومة الدكتور جعفر حسان تواجه تحديات أكبر من أي وقت مضى، لكنها أيضاً تمتلك فرصة لإحداث تغيير نوعي يُعيد الثقة إلى الشارع الأردني.
فهل ستتمكن حكومة الدكتور جعفر حسان من أن تكون "قمحة” تُرضي الجميع، أم أن العقبات ستجعلها أشبه بـ”شعيرة” تتطلب مزيداً من العناية والصبر؟
الأيام القادمة وحدها تحمل الإجابة.
لكن الأكيد هو أن الشعب الأردني يستحق حكومةً قادرةً على تحويل التحديات إلى فرص، وأن يرى أرضه تزهر رغم كل الصعاب.