عند التأمل في ما يجري في فلسطين عامةً، وغزة خاصةً، يتبادر إلى الذهن المثل الشعبي: "حزين ما شاف اللبن، شاف الشنينة وانهبل". هذا المثل يختصر حال الجاهل بقيم الأشياء وحقيقتها كحال اليمين الصهيوني المتطرف، الذي أعمته قوة ليست ذاتية، بل مكتسبة، نتجت عن مصالح خارجية مؤقتة في ظل واقع متغير. هذا الواقع يعتمد على تشابك القوى المؤثرة وتقاطع المصالح، مع احتمالية تلاشي هذه المصالح أو تحولها.
اليمين الصهيوني ينسى أو يتناسى أن قيادته لمشهد التاريخ، طوال ثلاثة آلاف عام، لم تتجاوز مئة عام فعلية، في مقابل آلاف السنين التي حمل فيها العرب والمسلمون شعلة الحضارة، وبثوا النور للعالم أجمع. وإذا كان اليمين المتطرف في دولة الاحتلال يرى في قوته الحالية انتصارًا، فإنه يشبه في ذلك أنظمة أخرى، كالنظام الطائفي في دمشق، التي تتكئ على دعم مؤقت وتنسى أن التاريخ الحقيقي يُبنى على القيم المستدامة لا على القوة الزائفة.
هذه القوة الزائفة تظهر بوضوح في أحداث كـ"طوفان الأقصى" وما شهده العالم في الثامن من ديسمبر الجاري. كلا الطرفين، سواء اليمين المتطرف في دولة الاحتلال أو النظام الطائفي في دمشق، يسعى للعزة عبر حرق القيم الإنسانية، وتمزيق روابط الأخوة بين الشعوب، والقفز فوق الشرائع السماوية السمحة. بئس ما سعوا إليه من تكبر وتجبّر ينازع الله في كبريائه.
القوة الحقيقية ليست في التكبر والتجبر، بل في القيم السامية والأخلاق الرفيعة واحترام الآخر. هذه القيم هي التي تجعل الحياة ممكنة، والتعايش مثمرًا، كما أكدت شخصيات عالمية مثل الكاتب البريطاني ديفيد هيرست والكاتبة الهندية أرونداتي روي، اللذين أشارا إلى فشل المشاريع العنصرية القائمة على الكراهية، لأنها تحمل بذور فنائها في داخلها.
بذور الفناء تكمن في الظلم والاستعلاء، تختبئ خلف طبقات هشة من القوة المزيفة. ولكن مع أول قطرة نقية من مطر العدل، تنكشف حقيقتها وتبدأ في الانهيار. وهذا ما رأيناه في طوفان الأقصى وأحداث ديسمبر سوريا؛ يوم واحد كان كفيلًا بكشف زيف القوة التي طالما تغنوا بها، وإظهار هشاشتها أمام إرادة الشعوب وصمودها.
التاريخ يكتب آياته بمداد الحق والعدل، والله غالب على أمره ولو كره المتجبرون.