في كل مرة يُطرح فيها السؤال: "من أين أنت؟” تتشابك الأفكار في ذهني، وتتجلى أبعاد هذا السؤال، وكأنه ليس مجرد استفسار عن مكان أو جغرافيا، بل محاولة لفهم جذوري وأصولي. قد يبدو السؤال بسيطاً، لكنه يحمل في طياته تعقيداً أكبر مما يظهر على السطح.
نعم، أنا من الأردن، وهذه الأرض هي موطني الذي أعيش عليه وأحمل هويته. ولكن حينما يُصر السائل على معرفة "الأصل الأصل”، قبل الأردن والأجداد، فإن إجابتي تكمن في أعماق فلسفتي وانتمائي. لماذا نغوص في الماضي ونبحث عن تاريخ الأجداد ووجهاتهم التي فرضتها عليهم ظروف الحياة؟ لماذا يُختزل الإنسان في أصول أجداده دون النظر إلى من هو الآن، وكيف يرى نفسه وماذا يقدم للآخرين؟
الأجداد، مثلهم مثل غيرهم، شُرّدوا، وهاجروا، وسعوا وراء لقمة العيش أو هرباً من ظروف قاسية. قد تكون جذوري نصفها فلسطيني ونصفها أردني، لكنها ليست مجرد تقسيمات وراثية أو انتماءات تاريخية. فأنا أؤمن أن الهوية الحقيقية للإنسان تتشكل من فكره وقيمه، ومن الأرض التي يعيش عليها وينتمي إليها بإنسانيته، وليس فقط بجواز سفر أو شهادة نسب.
في داخلي، أجد انتمائي أوسع من حدود الجغرافيا أو الأصل. أنتمي لوطن عربي كبير، يجمعنا فيه اللغة العربية التي توحد القلوب، والدين الذي يشكل أساس الأخلاق والقيم، والتراث الثقافي الذي يوحد الشعوب رغم اختلاف البيئات. لا أجد نفسي محصوراً بين حدود دولة أو بين أصول أجداد، بل أرى أنني إنسان عربي قومي، أفخر بجذوري، وأعتز بانتمائي للإنسانية قبل كل شيء.
الوطن ليس مجرد مكان نحمل اسمه على الأوراق، بل هو الأرض التي تمنحنا الحياة، والهواء الذي نتنفسه، والقيم التي نشترك فيها مع الآخرين. هو الحب الذي نحمله للخير، والإيمان بأننا نعيش على هذه الأرض كي نضيف لها شيئاً إيجابياً.
لهذا، حينما أُسأل "من أين أنت؟”، أجيب بكل ثقة: أنا من هنا، من هذه الأرض التي عشت فيها، أنا أردني فلسطيني، أنا عربي قومي، أنا إنسان. وبالنهاية، ما يجمعنا ليس الأصول أو الجذور، بل التراب الذي نمشي عليه، والقيم التي نعيش من أجلها، والإنسانية التي تتجاوز كل الحدود.